من السهل أن نتخيّل أن «الخيال العلمي» ملك للسينما والكتب، لكن الوثائق العسكرية السرية التي كُشف عنها مؤخرًا تروي قصة مغايرة.
ففي زمن الحرب الباردة وما قبلها، لم يتوقف عقل الإنسان عن ابتكار أفكار تتأرجح بين العبقرية والجنون. هنا لا نتحدث عن أسلحة تقليدية، بل عن مشاريع بدت وكأنها مقتبسة من صفحات رواية مهترئة في مكتبة قديمة. فكيف تحوّلت المخاوف الأمنية إلى مختبر لاختبار أكثر الابتكارات غرابة؟
في خمسينيات القرن الماضي، أطلقت بريطانيا مشروع «بلو بيكوك» الذي خطط لزرع ألغام نووية تحت الأرض في ألمانيا الغربية. بدا الحل كارثيًا بحد ذاته، لكن المعضلة كانت في الطقس. فبرد الشتاء قد يعطّل الإلكترونيات.
الحل المقترح لم يكن هندسيًا بل بيولوجيًا؛ وضع دجاج حيّ داخل القنبلة ليبقى الجو دافئًا بفضل حرارة أجسامه. أُلغي المشروع عام 1958، لكن حين كُشف عنه رسميًا في 2004 ظن كثيرون أنه «كذبة أبريل».
في سباق الاستخبارات، لم يكن السلاح وحده ميدان المنافسة، فالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أنفقا ملايين الدولارات لاختبار «التجسس النفسي».
«مشروع ستارجيت» في واشنطن وفرق مماثلة في موسكو بحثت إمكانية الرؤية عن بُعد أو تحريك الأشياء بالقوة الذهنية. لم تُثبت التجارب أي قدرات خارقة، لكنها كشفت حجم التوتر الذي جعل دولتين نوويتين تستثمران فيما يشبه الأساطير.
قبل ظهور الطائرات المسيّرة، اقترح عالم النفس «ب.ف. سكينر» استخدام الحمام لتوجيه الصواريخ.
حمل المشروع اسم «بيجون» حيث يوضع الطائر في مقدمة القذيفة، فيلتقط صورة الهدف وينقر عليها ليغيّر مسار السلاح. الفكرة أثبتت دقة مذهلة في التجارب، لكنها لم تجد طريقها للقتال، ربما لأن قادة الجيش لم يستسيغوا رهن الدفاع الوطني بجناحين ريشهما أبيض.
في ستينيات القرن الماضي، حلّقت طائرة الاستطلاع الأميركية «بلاك بيرد» بسرعة تتجاوز ثلاثة أضعاف سرعة الصوت.
المدهش أن هيكلها كان يُصمَّم بحيث يتسرب الوقود عمدًا على الأرض، ثم يتمدد المعدن مع الحرارة في سدّة السماء فيغلق الفجوات. هذه الطائرة لم تكن مجرد أداة حرب بل تجسيد لفكرة أن التصميم يمكن أن يتجاوز المنطق البشري.
في الثمانينيات، طوّر السوفييت نظام «اليد الميتة» القادر على إطلاق صواريخ نووية تلقائيًا إذا دُمّرت القيادة السياسية في ضربة مباغتة.
هذه التقنية التي تشبه فيلم «دكتور سترينجلوف» جعلت مصير البشرية يومًا ما أقرب إلى لعبة يقامر بها نظام إلكتروني بلا عقل.
عام 2014، سجّلت البحرية الأميركية براءة اختراع لنظام ينتج سحبًا من البلازما قادرة على تضليل الصواريخ.
الفكرة لم تصل بعد إلى «درع طاقة» فعلي، لكنها تكشف كيف تتحوّل الخيالات السينمائية إلى أوراق رسمية في ملفات عسكرية.
تقارير الحلفاء بعد الحرب تحدثت عن مشروع ألماني يهدف لبناء مرآة فضائية عملاقة تركّز أشعة الشمس على مدن العدو.
لم يتجاوز المخطط الورق، لكن وجوده يكشف تعطّش برلين النازية إلى سلاح يغيّر ميزان الكوكب بأكمله.
استثمرت مشاريع وكالة «داربا» في التسعينيات في مواد «ما وراء الطبيعة» القادرة على ثني الضوء.
بعض الأجسام الصغيرة اختفت جزئيًا في المختبر، لكن الوصول إلى «إخفاء كامل» لا يزال بعيدًا. مع ذلك، فإن كل تقنية تبدأ بتجربة محدودة قبل أن تنزلق ببطء إلى أرض الواقع.
في 1942، حاول السوفييت تحويل دبابة خفيفة إلى طائرة شراعية تُسحب خلف قاذفة وتُلقى مباشرة في أرض المعركة.
نجحت التجربة نظريًا، لكنها كادت أن تُسقط الطائرة القاطرة، فتم التخلي عن المشروع، لكن بقيت «الدبابة الطائرة» ذكرى ساخرة عن طموحات لا تحدها الجاذبية.
منذ 2014، اختبرت البحرية الأميركية مدافع ليزرية حقيقية قادرة على إسقاط الطائرات المسيّرة بسرعة الضوء.
لا تحتاج هذه الأسلحة إلى ذخيرة، بل إلى طاقة كهربائية فقط، ما يجعلها أقرب ما يكون إلى مشهد حي من «حرب النجوم».