لطالما شكّلت وكالة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (FBI) إحدى أكثر المؤسسات الأمنية إثارة للجدل في العالم، لكن خلف الهالة الجدية للوكالة، تكمن عشر حكايات حقيقية أقرب إلى الخيال.
فعلى الرغم من أن الـFBI ارتبط في الذاكرة العامة بمطاردات أشهر المجرمين، من آل كابوني إلى مفجّر أوكلاهوما، فإن تاريخه يزخر بمواقف وقرارات يصعب تصديقها بعضها يعود إلى فشل تكنولوجي، وأخرى تتعلق بتتبع الفلافل أو التحقيق في أغنية بريئة.
هذه القصص، التي نستعرض بعضها، تكشف جانبًا غير مألوف من عمل واحدة من أقوى الوكالات الأمنية في العالم.
حتى عام 2012، ظل المكتب يدير أرشيفه وقضاياه عبر نظام ورقي تقليدي، في وقت كانت فيه معظم المؤسسات الأمنية حول العالم تعتمد الأنظمة الرقمية منذ سنوات.
كان من المفترض أن يبدأ العمل بنظام إلكتروني متطور في 2009 بكلفة 425 مليون دولار، لكنه تأخر ثلاث سنوات بسبب إخفاقات تقنية وارتفعت كلفته إلى 451 مليون دولار. لكن النظام دخل الخدمة أخيرًا عام 2012 بعد أن تجاوز توقعات الجدول الزمني والميزانية معًا، ما أثار انتقادات حادة داخل الكونجرس.
في ذروة الهوس الأمني بعد هجمات 11 سبتمبر، أطلق المكتب برنامجًا باسم «Total Falafel Awareness» استهدف مراقبة مبيعات الفلافل في متاجر منطقة الخليج بولاية كاليفورنيا.
الفرضية كانت أن أي زيادة مفاجئة في المبيعات قد تشير إلى وجود نشاط غير اعتيادي مرتبط بعملاء إيرانيين، تُتُبِّعَت بيانات المبيعات وتحليلها، لكن سرعان ما أُغلق البرنامج بعد أن تبيّن ضعف منطلقاته الاستخباراتية.
لا يعتمد الـFBI في اختيار الأسماء ضمن قائمة «العشرة المطلوبين» على طبيعة الجرائم فقط، بل أيضًا على الشكل الخارجي للمطلوبين.
وفق تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، تختار الوكالة وجوهًا ذات ملامح مميزة كالأوشام والندوب والأنف الغريب، بهدف تعزيز فرص التعرف عليهم من قِبل العامة.
ويعكس هذا التوجه بُعدًا إعلاميًا في عمل الوكالة، حيث تُقدَّم القائمة أحيانًا كـ«منتج بصري» للتفاعل الجماهيري.
في إحدى أغرب مغامراتها العلمية، حاول المكتب استخدام «الحاسة السادسة» أو التخاطر العقلي في استجواب المشتبه بهم.
وخصص المكتب فريقًا لدراسة إمكانية توصيل المعلومات ذهنيًا دون أسئلة. لكن بعد ثلاث سنوات من التجارب التي شملت اختبارات على متطوعين، أُغلق المشروع بسبب غياب أي دليل علمي يدعم الفرضية، مما جعل هذه الحقبة تُدرج لاحقًا كأحد أغرب فصول تاريخ الوكالة.
في مقابلة أجراها مع برنامج «Fresh Air» على إذاعة NPR عام 2012، كشف الممثل البريطاني ساشا بارون كوهين أن الـFBI تابع تحركات طاقم فيلمه الشهير «Borat» خلال جولات التصوير في أمريكا.
ووفق كوهين، فإن الشكاوى حول «رجل شرق أوسطي يقود شاحنة مثلجات» دفعت السلطات إلى إرسال مراقبين لرصد تحركاته، اعتقادًا منهم بوجود نشاط مشبوه.
وهي واقعة تسلط الضوء على التوتر الثقافي والعرقي المتصاعد في تلك الفترة.
في مختبراته، يحتفظ الـFBI بعينات شعر أُخذت من مسارح الجرائم المختلفة، تُستخدم لمطابقة الأدلة الجنائية وتحديد العرق أو نوع الحيوان أو حتى موقع الشعرة من الجسم.
بعض هذه العينات يعود إلى عقود مضت، وتُستخدم حاليًا في إعادة فتح قضايا قديمة، خصوصًا مع تطور أدوات تحليل الحمض النووي.
في عام 1965، فتح الـFBI تحقيقًا استمر 12 شهرًا حول أغنية فرقة The Kingsmen الشهيرة «Louie Louie»، بناءً على مئات الشكاوى التي زعمت أن كلمات الأغنية تخفي إيحاءات جنسية.
استمع المحققون للأغنية مئات المرات، ودوّنوا تقريرًا من 120 صفحة، خلص إلى أن الأغنية «غير مفهومة لغويًا بما يكفي لتُعتبر خادشة».
يمتلك المكتب قسمًا متخصصًا في فحص الوثائق، يرمم الأوراق الممزقة والمحترقة، وتحليل الحبر والأختام والتوقيعات لتحديد مصداقية الوثائق في القضايا المدنية والجنائية.
كما يفحص الفريق أيضًا بصمات الأحذية وآثار الإطارات في جرائم القتل. العمل دقيق وبطيء، لكنه حاسم في كشف تزوير الوصايا أو عقود البيع أو رسائل التهديد.
بعد عرضه، تلقى المكتب مذكرات داخلية تشير إلى أن الفيلم «ينتقد البنوك ويُشيطن الرأسمالية».
اعتبر المحققون شخصية المصرفي الشرير محاولة لترويج الفكر الاشتراكي، وأوصى أحد مساعدي ج. إدجار هوفر بفتح تحقيق مع المخرج فرانك كابرا.
لم يُثبت شيء، لكن الواقعة بقيت رمزًا لهوس المكارثية في أربعينيات القرن الماضي.
في خطوة تعكس تحوّلاً ثقافيًا داخل المؤسسة، بدأ المكتب بتطبيق نظام العمل الجزئي (من 16 إلى 32 ساعة أسبوعيًا) للوكلاء الراغبين في قضاء وقت أطول مع أسرهم.
المبادرة وُصفت بأنها «اعتراف متأخر» بإنسانية العاملين، وتشبه سياسات شركات القطاع الخاص مثل Google وAmazon. الهدف هو الحفاظ على الكفاءات وتقليل معدلات الإرهاق.