يونيو ١, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
هل الببغاوات تفهم فعلا ما تقوله؟

لم تكن جملة «أنا آسف» يومًا دليلاً على وعي إنساني فقط. ففي أحد أيام عام 2002، وبين جدران مختبر صغير في جامعة بوسطن، نطق ببغاء رمادي اللون بها، لا في استعراض أو محاكاة صوتية معتاد، بل في لحظة حاسمة أربكت تصوراتنا عن الذكاء الحيواني.

بدا ذلك الببغاء، الذي يُدعى «أليكس»، ويخضع لمراقبة العالمة النفسية المعرفية «إيرين بيبيربيرج»، وكأنه يتقن شيئًا يتجاوز التقليد. فقبل دقائق، مزق أليكس مجموعة أوراق بحثية، في تصرّف فوضوي تبعه توبيخٌ من بيبيربيرج. لكن الرد لم يكن نقرًا على القفص أو صراخًا عشوائيًا، بل عبارة صريحة: «أنا آسف».

قد يبدو الأمر في ظاهره محض تكرار لما سمعه سابقًا، لكن التفاصيل تروي غير ذلك. تقول بيبيربيرج لموقع «Live Science»: «ربط أليكس بين العبارة والمواقف المشحونة عاطفيًا»، موضحةً أن العبارة لم تخرج منه بدافع الندم بقدر ما كانت أداة لتهدئة التوتر. «لم يكن ندمًا حقيقيًا، لكنه عرف السياق المناسب».

هنا يكمن جوهر القصة: ببغاء لم يكرّر كلمات عشوائية، بل التقط المفتاح العاطفي للموقف، وتصرّف بناءً عليه. ومنذ هذه اللحظة، لم يعد السؤال: هل يمكن للببغاء أن يتحدث؟ بل: إلى أي مدى يمكنه أن يفهم؟

هل يتحدث الببغاء أم يقلّد فقط؟

في البرية، تستخدم الببغاوات زقزقتها المعقدة للتواصل مع أقرانها في السرب. تُطلق أصواتًا لتحذير من الخطر أو للبحث عن طعام، وتتميّز بما يُعرف بـ«نداءات الاتصال التوقيعية»، وهي أشبه بمناداة الأفراد بأسمائهم.

لكن حين تعيش هذه الطيور وسط البشر، تفقد بيئتها الطبيعية ومجتمعها الصوتي. وهنا تظهر قدرتها الاستثنائية على التكيف والتعلم من الإنسان، مستفيدة من بنية دماغية عالية التخصص.

هل يمكن تدريب الببغاوات على استخدام اللغة البشرية؟

نعم، وبشكل مدهش. تؤكد إيرين بيبيربيرج، الأستاذة في جامعة بوسطن، أن «الطيور التي تُدرّب بطريقة مناسبة يمكنها تعلم كميات مدهشة من الكلمات». أليكس، مثلًا، تعلّم أكثر من 100 كلمة لأشياء وألوان وأفعال.

وكان يعرف العد حتى الرقم 6، ويفهم مفهوم «الصفر». حينما يُقدَّم له جسم، كان يحدّد لونه وشكله ومادته بدقة، ويُجري مقارنات باستخدام مفردات مثل «أكبر» و«مختلف».

جرى تدريب أليكس عبر منهجية علمية صارمة، ربطت بين الكلمات ومفاهيم محددة. ومع ذلك، تشير الباحثة إلى أن الببغاوات المنزلية العادية بإمكانها أيضًا التقاط مفردات ومفاهيم، لا سيما إن تكرّرت الكلمات مع أفعال مرتبطة بها.

كيف نختبر فهم الببغاء لما يقوله؟

تقدّم «إيرين كولبيرت-وايت»، الأستاذة بجامعة بوجيت ساوند، اختبارًا بسيطًا لذلك: إن طلب الببغاء «فول سوداني» وقُدِّم له نوع آخر من الطعام، فرفضه وأعاد طلب الفول السوداني، فذلك مؤشر على إدراكه لما تعنيه الكلمة، لا مجرد تكرارها.

ومع أن هذا النوع من التعلم يتركّز أكثر على الكلمات الملموسة، كالطعام أو الألوان، فإن الببغاوات قد تستخدم كلمات مجردة في السياق الصحيح.

على سبيل المثال، يردد بعضها «مرحبًا» عند دخول أشخاص إلى الغرفة، أو «أحبك» عند تلقي اهتمام أو مداعبة.

ماذا يعني «أحبك» بالنسبة إلى ببغاء؟

توضح كولبيرت-وايت أن «قول الببغاء: أحبك، لا يعني فهمه لمفهوم الحب كعاطفة إنسانية، بل تعلمه أن الكلمة تجلب له اهتمامًا واحتضانًا من مالكه». تضيف مازحة: «حتى بعض الناس يقولونها دون أن يفهموها».

هل تتحدث كل الببغاوات؟

ليست كل الببغاوات تتكلم. بعضها لا يصدر كلمات إطلاقا، خاصةً إذا كان يعيش مع طيور أخرى يتواصل معها بلغته الطبيعية.

وتشير كولبيرت-وايت إلى أن «كل طائر يمتلك قدرته الفردية على الكلام».

لماذا لا نتعلّم لغتهم؟

تختتم بيبيربيرج بنقد لاذع للطريقة التي نتعامل بها مع الكائنات الأخرى: «نُقلل من شأن ذكاء الحيوانات، بينما نطلب منها تعلم أنظمتنا»، مضيفة: «لقد أنفقنا أكثر من 50 عامًا في محاولة فكّ رموز لغاتهم دون نجاح يُذكر».

اقرأ أيضًا:
متى اخترع علم الرياضيات؟

لماذا تُعد ترجمة أسماء الأطعمة الصينية إلى الإنجليزية مهمة مستحيلة؟

ما الذي تخفيه قارة القطب الجنوبي تحت جليدها؟

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

تلسكوب جيمس ويب يكشف عن فئة غير مسبوقة من الثقوب السوداء

المقالة التالية

إنفوجرافيك| عمالقة الصناعات الدفاعية في العالم