تشهد السعودية تحولاً رقمياً غير مسبوق، جعلها واحدة من أكثر الدول جذباً للاستثمارات التقنية على مستوى العالم، وفي قلب هذا التحول تأتي مراكز البيانات، التي باتت العمود الفقري للبنية التحتية الرقمية الحديثة، فما الذي يجعل المملكة تمتلك أفضل المقومات لبناء هذه المرافق الحيوية على أرضها؟
في السنوات الأخيرة، تبنّت المملكة استراتيجيات واسعة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، وكان الاستثمار في التقنية محوراً أساسياً في هذه الخطط.
ووفقاً لتقارير شركة “جيه إل إل”، فإن الرياض مرشحة لتكون السوق الأسرع نمواً في المنطقة في قطاع مراكز البيانات، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 37% حتى عام 2027، وهو ضعف المعدل المتوقع في دبي وأبوظبي، ويعكس هذا النمو السريع التزام المملكة بتحويل بنيتها الرقمية إلى ركيزة أساسية لاقتصاد المستقبل.
إن البنية التحتية الرقمية المتنامية جعلت مراكز البيانات في السعودية خياراً استراتيجياً للشركات العالمية، فقد جذبت المملكة شركات تقنية كبرى مثل مايكروسوفت، وأمازون ويب سيرفيسز، وإكوينيكس، إضافة إلى شركات ناشئة مبتكرة عقدت شراكات نوعية مع مؤسسات سعودية مثل أرامكو.
ويمثل بناء أكبر مركز بيانات في الشرق الأوسط (ZeroPoint DC) في مشروع “نيوم” مثالاً حياً على الطموح الكبير الذي تتبناه المملكة في هذا المجال.
موقع المملكة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا يمنحها ميزة تنافسية فريدة، فمن خلال مراكز البيانات المنتشرة في الرياض وجدة والدمام، يمكن للمستثمرين خدمة أسواق واسعة في ثلاث قارات متجاورة.
هذا الموقع الجغرافي يجعل من السعودية جسراً رقمياً يربط بين الشرق والغرب، ويعزز من مكانتها كمركز رئيسي للاتصال العالمي.
حجم الاستثمارات في السوق السعودي يعكس الثقة الكبيرة في استقراره، فقد استثمرت شركة “إكوينيكس” مليار دولار في مركز بقدرة 100 ميجاوات، بينما أطلقت “داتا فولت” مشروعاً مستداماً بقدرة 1.5 جيجاوات في نيوم بقيمة 5 مليارات دولار.
كما أعلنت مايكروسوفت وأمازون عن خطط لإطلاق مناطق سحابية بحلول عام 2026، هذه المشاريع ليست مجرد بنية تحتية، بل إشارة واضحة إلى أن مراكز البيانات في السعودية أصبحت رهاناً طويل الأجل للشركات العالمية.
واحدة من أبرز العوامل التي تدعم مكانة المملكة في هذا القطاع هي سياسات سيادة البيانات، فقد أصدرت الحكومة لوائح تُلزم بتخزين البيانات الحساسة داخل حدود البلاد، وقد دعمت هذه السياسات نمو مراكز البيانات المحلية، وعززت الثقة لدى المؤسسات المالية والحكومية.
ويأتي هذا متماشياً مع جهود الهيئة الوطنية للأمن السيبراني لضمان أعلى معايير الأمان والخصوصية في إدارة البيانات.
لا تقتصر رؤية المملكة على النمو السريع، بل تمتد لتشمل الاستدامة، فقد بدأ مشغلو مراكز البيانات في المملكة بتبني ممارسات صديقة للبيئة، عبر أنظمة تبريد حديثة وتقنيات لتقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات، ويضع هذا التوجه السعودية في موقع متقدم للاستجابة للضغوط العالمية المتعلقة بالاستدامة والحوكمة البيئية.
في مايو 2025، أعلنت السعودية والولايات المتحدة عن شراكة اقتصادية استراتيجية بقيمة 600 مليار دولار، تضمنت استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
وشملت الاتفاقية بناء مركز جديد في الدمام بالتعاون مع Google Cloud وصندوق الاستثمارات العامة، ما يعزز من قدرة المملكة على قيادة البنية التحتية الرقمية في المنطقة.
هذه الخطوة لم تُعزز فقط مكانة المملكة بل منحتها ميزة إضافية في السباق العالمي نحو السيادة الرقمية.
بفضل الدعم الحكومي والحوافز الاستثمارية، أصبح سوق مراكز البيانات في السعودية أحد أكثر الأسواق جذباً، ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من 1000 ميجاوات بحلول 2030 باستثمارات تتجاوز 11 مليار دولار.
هذا النمو يفتح المجال أمام الشركات الناشئة والمتعددة الجنسيات لتأسيس حضور قوي، سواء في الخدمات السحابية أو الأمن السيبراني أو الذكاء الاصطناعي.
في ضوء هذه المقومات، تُثبت السعودية أنها ليست مجرد سوق ناشئة، بل وجهة عالمية لقطاع التقنية، حيث إن مزيج الموقع الاستراتيجي، الاستثمارات الضخمة، السياسات الداعمة، والاستدامة البيئية يجعل من المملكة الأرض المثالية لبناء وتشغيل مراكز البيانات.
ومع استمرار التدفقات الاستثمارية، تبدو المملكة في طريقها لتكون المحور الإقليمي الأول وربما العالمي للبنية التحتية الرقمية.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| خريطة قوة مراكز الذكاء الاصطناعي العالمية