قد يكون الطب على وشك تحقيق اختراقٍ ثوريٍّ جديد، إذ تشير أبحاث حديثة إلى إمكانية علاج أمراض معقدة مثل الزهايمر والسرطان باستخدام موجاتٍ صوتية لا يمكن للأذن البشرية سماعها. هذه الموجات، المعروفة بالموجات فوق الصوتية، تُستعمل منذ عقود في الطب لتصوير الأنسجة الداخلية وتشخيص الأمراض، فضلًا عن مراقبة الأجنة داخل الرحم، لكنها اليوم تتجه نحو دورٍ علاجي متطور يتجاوز التشخيص إلى معالجة أمراض خطيرة.
وقال أحد المهندسين الذين يعملون في مجال الطب الحيوي على دراسة كيفية تركيز طاقة الموجات فوق الصوتية في مناطق صغيرة محددة داخل الجسم، وهي تقنية تُعرف بالموجات فوق الصوتية المركزة. وقد توسّع استخدامها خلال الأعوام الماضية بشكل لافت، إذ أثبتت فعاليتها في معالجة عددٍ من الحالات العصبية والسرطانية. ويواصل العلماء حاليًا اكتشاف تطبيقات جديدة لها في الممارسة الطبية.
تعود فكرة استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة إلى أكثر من ثمانين عامًا، حين تبيّن أن توجيه هذه الموجات إلى نقطة صغيرة يعادل حجم حبة أرز يمكن أن يؤدي إلى تسخين الأنسجة وتدميرها، على غرار تركيز أشعة الشمس عبر عدسة مكبرة. ومنذ ذلك الحين، سعى الباحثون لاختبار قدرتها على معالجة اضطرابات عصبية وآلام مزمنة وأورام سرطانية.
ورغم النتائج الواعدة الأولى، واجهت التقنية تحديات كبيرة، أهمها صعوبة إيصال طاقة الموجات إلى الدماغ بسبب امتصاص الجمجمة لها. لكن التطور في تقنيات التصوير واستخدام مصفوفات من محولات الموجات فوق الصوتية المبرمجة وفق شكل الجمجمة وكثافتها، مكّن الباحثين من تجاوز هذه العقبة وتحقيق دقة عالية في استهداف الأنسجة.
ومع التقدم المستمر في فيزياء الصوتيات والتصوير الطبي، بدأت تطبيقات الموجات فوق الصوتية المركزة تجد طريقها إلى العيادات. فقد أُنجزت مئات التجارب السريرية لعلاج حالات متعددة، وحققت نجاحًا كبيرًا في علاج الرعشة الأساسية، وهو اضطراب يؤدي إلى اهتزاز اليدين بشكل لا إرادي. واليوم تُستخدم هذه التقنية في مراكز طبية حول العالم ضمن بروتوكولات علاجية معتمدة. ولكن الاستخدامات الأكثر إثارة ما زالت في طور البحث، وتشمل تحسين إيصال الأدوية إلى الدماغ، وتعزيز المناعة ضد السرطان، ومعالجة أمراض عصبية نادرة.
تتم حماية الدماغ نفسه بواسطة حاجزٍ دقيق يمنع معظم الجزيئات من المرور من الدم إلى أنسجته، ما يجعل علاج أمراضه أمرًا بالغ الصعوبة. إلا أن العلماء اكتشفوا قبل نحو عقدين أن الموجات فوق الصوتية منخفضة الكثافة قادرة على فتح هذا الحاجز مؤقتًا عبر تحريك فقاعات دقيقة داخل الأوعية الدموية، ما يتيح عبور الأدوية بأمان إلى داخل الدماغ.
وقد تطورت هذه التقنية لتصبح أكثر دقة وأمانًا، وبدأت عدة تجارب سريرية باستخدام أجهزة متخصصة لفتح الحاجز الدموي الدماغي بهدف علاج أمراض مثل الورم الأرومي الدبقي ونقائل الدماغ ومرض الزهايمر. كما تشير الدراسات الحيوانية إلى أن هذه التقنية يمكن أن تساعد في توصيل العلاجات الجينية إلى مناطق الدماغ المصابة، فاتحة الباب أمام مرحلة جديدة في علاج الاضطرابات العصبية المستعصية.
وتُعد الموجات فوق الصوتية المركزة أداة واعدة في تنشيط الجهاز المناعي لمهاجمة الأورام التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية. إذ يمكن لهذه الموجات أن تحطم الورم إلى شظايا صغيرة تنتقل إلى العقد اللمفاوية، حيث يتعرف الجهاز المناعي عليها ويطوّر استجابة قوية ضدها. وفي عام 2022، أنشأت جامعة فيرجينيا أول مركز بحثي عالمي متخصص في العلاج المناعي بالموجات فوق الصوتية، لتسريع تطوير هذا النهج العلاجي. وتُجرى حاليًا تجارب سريرية لاختبار دمج الموجات فوق الصوتية المركزة مع العلاج المناعي لعلاج أنواع متقدمة من السرطان، بما في ذلك سرطان الجلد.
رغم أن التركيز الأكبر ينصب على أمراض شائعة مثل الزهايمر والسرطان، فإن الأبحاث الحديثة بدأت تمتد إلى أمراض نادرة مثل التشوهات الكهفية الدماغية، وهي تجمعات غير طبيعية للأوعية الدموية في الدماغ قد تسبب نوبات أو نزيفًا.
وتشمل العلاجات التقليدية لهذه الحالات الجراحة أو الإشعاع، وكلاهما يحمل مخاطر عالية، خصوصًا عندما تكون الآفات في مناطق حساسة. غير أن استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة لفتح الحاجز الدموي الدماغي أظهر قدرة على تحسين إيصال الأدوية إلى هذه التشوهات، بل وأثبتت التجارب على الحيوانات أن هذه الموجات يمكن أن تبطئ نمو الآفات حتى دون استخدام أي دواء.
ورغم أن الآليات الدقيقة وراء هذا التأثير ما تزال غير مفهومة تمامًا، فإن تراكم الأدلة على أمان التقنية في علاجات أخرى شجع الأطباء على بدء تصميم تجارب سريرية مخصصة لاختبار فعاليتها لدى البشر. ومع استمرار التقدم في أبحاث الموجات فوق الصوتية المركزة، يبدو المستقبل واعدًا نحو اعتمادها كخيارٍ علاجيٍ آمن وفعّال لمجموعة واسعة من الأمراض – من الزهايمر والسرطان إلى أندر الاضطرابات العصبية – لتتحول الموجات غير المسموعة إلى أداةٍ ثورية في الطب الحديث.
اقرأ أيضًا:
حقيقة صادمة.. التان قد يسبب السرطان
فحص دم يكشف السرطان قبل 3 سنوات من ظهوره
دراسة من هارفارد: مهنتك قد تصيبك بمرض الزهايمر