رحل عن عالمنا رائد الفضاء الأمريكي جيم لوفيل، القائد الأسطوري لمهمة “أبولو 13” الذي اشتهر عالميًا بقدرته على تحويل كارثة محققة في الفضاء إلى قصة نجاة ملحمية، وذلك عن عمر يناهز 97 عامًا. ونعت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” لوفيل، الذي كان أيضًا أول إنسان يسافر إلى القمر مرتين، مؤكدة أنه ساعد في “شق طريق تاريخي” لبرنامج الفضاء الأمريكي. وفي بيان مؤثر، قالت عائلته: “سنفتقد تفاؤله الراسخ، وروحه المرحة، وكيف كان يُشعرنا جميعًا بقدرته على تحقيق المستحيل”.
بدأ شغف جيم لوفيل بالفضاء في سن مبكرة وبشكل متفجر. ففي أحد أيام السبت وهو في السادسة عشرة من عمره، وبمساعدة أستاذه في العلوم، قام بصناعة صاروخ بدائي من أنبوب يبلغ طوله ثلاثة أقدام، وحشاه بمكونات البارود. وبعد أن أشعل الفتيل وركض مبتعدًا، ارتفع الصاروخ 80 قدمًا في الهواء قبل أن ينفجر. كانت تلك التجربة الخطرة أكثر من مجرد مغامرة مراهقة؛ لقد كانت الشرارة الأولى لحلم سيقوده ليصبح بطلاً أمريكيًا.
واصل لوفيل شغفه في الأكاديمية البحرية، حيث اختار أن تكون أطروحته حول محركات الوقود السائل للصواريخ، وهي تقنية كانت لا تزال رائدة في ذلك الوقت. لكن مسيرته المهنية بدأت في مسار مختلف، حيث تم تعيينه كطيار في البحرية، متخصصًا في الإقلاع الليلي بطائرات “بانشي” من على متن حاملات الطائرات، وهي مهمة محفوفة بالمخاطر لم تكن كافية لإشباع طموحه.
في عام 1958، تقدم لوفيل بطلب للانضمام إلى برنامج “ميركوري” التابع لناسا، لكن تم رفضه بسبب مشكلة طبية مؤقتة. لم يستسلم، وبعد أربع سنوات، نجح في محاولته الثانية ليتم اختياره ضمن مجموعة “التسعة الجدد”، وهي نخبة الطيارين الذين سيحملون على عاتقهم تحقيق وعد الرئيس كينيدي بالوصول إلى القمر، وكان من بينهم نيل أرمسترونغ وجون يونغ.
كانت رحلته الفضائية الأولى على متن “جيميني 7” لمدة أسبوعين، وهي مهمة حاسمة أثبتت أن البشر يمكنهم البقاء على قيد الحياة في الفضاء لفترة طويلة. ثم قاد مهمة “جيميني 12” إلى جانب باز ألدرين، حيث أثبتوا بنجاح أن رواد الفضاء يمكنهم العمل بفعالية خارج المركبة الفضائية.
في ليلة عيد الميلاد عام 1968، كان جيم لوفيل جزءًا من أكثر المهام جرأة في تاريخ البشرية حتى ذلك الوقت: رحلة “أبولو 8″، أول مهمة مأهولة تغادر مدار الأرض وتدور حول القمر. وبصفته ملاح المركبة، كان مسؤولاً عن أخذ قراءات النجوم يدويًا كخطة احتياطية. وكان طاقم أبولو 8 أول بشر يشاهدون الجانب البعيد من القمر، وفي لحظة تاريخية، شاهدوا “شروق الأرض” من فوق الأفق القمري. وفي تلك اللحظة التي حبست أنفاس العالم، قرأ لوفيل وزملاؤه من سفر التكوين، ليعودوا إلى الأرض كأبطال ومشاهير عالميين.
في أبريل 1970، جاء دور جيم لوفيل ليقود مهمته الخاصة إلى سطح القمر كقائد لـ “أبولو 13”. لكن بعد يومين من انطلاق الرحلة، وعلى بعد 200 ألف ميل من الأرض، انفجر خزان أكسجين، مما أدى إلى شل المركبة الفضائية. وفي تلك اللحظة، نطق لوفيل بعبارته الشهيرة التي أصبحت خالدة: “هيوستن، لقد واجهنا مشكلة”.
ما تلا ذلك كان ملحمة من البقاء على قيد الحياة. اضطر الطاقم إلى استخدام المركبة القمرية “أكواريوس” كـ “قارب نجاة”، وعانوا من درجات حرارة متجمدة ونقص في الطعام والماء. وعلى مدى أربعة أيام، تابع العالم بقلق بالغ كفاحهم للعودة إلى ديارهم. وبعد صمت إذاعي مرعب أثناء العودة إلى الغلاف الجوي، هبطت الكبسولة بسلام في المحيط الهادئ. لقد كانت مهمة “أبولو 13” أعظم إخفاقات ناسا، لكنها كانت أيضًا أفضل لحظاتها، بفضل قيادة لوفيل الهادئة.
وبعد تقاعده من البحرية وناسا في عام 1973، اختار جيم لوفيل حياة هادئة بعيدًا عن الأضواء، حيث عمل في شركة سحب بحري وألقى الخطب. وقد روى قصته في كتاب “القمر المفقود”، الذي تحول إلى الفيلم الشهير “أبولو 13” عام 1995 من بطولة توم هانكس. وفي لفتة تعكس تواضعه ونزاهته، عندما طُلب منه الظهور في الفيلم، أصر لوفيل على ارتداء بدلته العسكرية القديمة برتبة “نقيب”، رافضًا ارتداء زي “أميرال”، وقال: “لقد تقاعدت برتبة نقيب، وسأظل نقيبًا”.
اقرأ أيضًا:
تحديد موعد انطلاق رائدي الفضاء السعوديين إلى الفضاء.. تجارب منتظرة
إنفوجرافيك | كم يبلغ اقتصاد الفضاء؟
لماذا تبدو الأجسام دائرية في الفضاء؟