كسوف الشمس وخسوف القمر من أروع الأحداث الفلكية التي تُزين سماء كوكبنا، مُثيرتَين دهشة العلماء والجمهور على مر العصور. ففي كل عام، تتكرر هاتان الظاهرتان وفقًا لدورات فلكية محددة، إلا أن الكثيرين قد يجدون صعوبة في التمييز بينهما أو فهم الآليات الدقيقة التي تقف وراء حدوثهما. يهدف هذا المقال إلى استكشاف الفروق الجوهرية بين هاتين الظاهرتين السماويتين، مع تسليط الضوء على الأسباب الكامنة وراء ظهورهما وأنواعهما المختلفة، بالإضافة إلى أهمية اتخاذ تدابير السلامة اللازمة عند مراقبتهما.
يقع سبب كسوف الشمس في لحظة سماوية فريدة، حينما يمر القمر مباشرة بين الشمس وكوكبنا الأرضي. ونتيجة لهذا الاصطفاف الدقيق، يحجب القمر جزءًا من ضوء الشمس أو كله، مُلقيًا بظله على مناطق محددة من سطح الأرض. ولكي يحدث الكسوف الشمسي، يجب أن يكون القمر في طور المحاق، وهو المرحلة التي يقع فيها القمر بين الأرض والشمس، بحيث يكون وجهه المضاء بعيدًا عن كوكبنا. ومع ذلك، فإن مدار القمر حول الأرض ليس في نفس مستوى مدار الأرض حول الشمس، بل يميل عنه بحوالي خمس درجات. لهذا السبب، لا يحدث كسوف للشمس في كل شهر قمري جديد، وإنما فقط عندما يتقاطع مدارا الأرض والقمر في نقاط محددة تتزامن مع وجود القمر في طور المحاق.
من اللافت للانتباه أن الشمس والقمر يبدوان بنفس الحجم تقريبًا في سماء الأرض، على الرغم من أن الشمس أكبر من القمر بكثير. يعود هذا التشابه الظاهري في الحجم إلى أن الشمس أبعد عن الأرض بـ 400 مرة تقريبًا من المسافة بين الأرض والشمس، وفي الوقت نفسه، يبلغ قطر الشمس حوالي 400 ضعف قطر القمر. هذا التناسق المدهش هو ما يجعل رؤية الكسوف الكلي للشمس ممكنة من الأرض.
يتنوع كسوف الشمس في مظهره ودرجة حجب الشمس. فهناك الكسوف الجزئي، حيث يمر القمر أمام جزء فقط من قرص الشمس، مما يجعل الشمس تبدو وكأنها فقدت قطعة منها. وفي الكسوف الحلقي، يكون القمر في أبعد نقطة له عن الأرض في مداره الإهليجي، وبالتالي يبدو أصغر من أن يغطي قرص الشمس بالكامل. في هذه الحالة، يظهر قرص الشمس كحلقة مضيئة تحيط بظل القمر المعتم، وهو ما يُعرف بـ “حلقة النار”. أما الخسوف الكلي للشمس، فهو الأكثر إثارة وندرًة، حيث يغطي القمر قرص الشمس بالكامل، مُحولًا النهار إلى ليل دامس للحظات وجيزة ويكشف عن الهالة الشمسية المتوهجة. من الضروري التأكيد على أن النظر مباشرة إلى الشمس أثناء أي نوع من أنواع الكسوف الشمسي، باستثناء مرحلة الكسوف الكلي، أمر بالغ الخطورة ويتطلب استخدام نظارات خاصة ومُصفّحات شمسية لحماية العينين.
يقع ماهو الخسوف والكسوف في المقابل، خسوف القمر عندما تتحرك الأرض بين الشمس والقمر، مُلقية بظلها على سطح القمر ومُحجبة عنه ضوء الشمس المباشر. ولكي يقع خسوف القمر، يجب أن يكون القمر في طور البدر، حيث يكون القمر والأرض والشمس على استقامة واحدة تقريبًا، مع وجود الأرض في المنتصف. وبالمثل لحالة الكسوف الشمسي، فإن مدار القمر المائل يعني أن خسوف القمر لا يحدث في كل شهر قمري كامل، بل فقط عندما يتقاطع مدارا الأرض والقمر ويتزامن ذلك مع وجود القمر في طور البدر.
يتخذ خسوف القمر أيضًا أشكالًا مختلفة. يبدأ بخسوف شبه الظل، حيث يمر القمر عبر منطقة شبه الظل للأرض، وهي المنطقة الخارجية من ظل الأرض الأقل عتامة. في هذه الحالة، قد يلاحظ المراقبون تعتيمًا طفيفًا في لمعان القمر. يليه الخسوف الجزئي للقمر، حيث يدخل جزء من القمر إلى منطقة ظل الأرض الأكثر ظلمة (umbra)، مما يجعل هذا الجزء يبدو معتمًا أو أسود. وعندما يدخل القمر بأكمله إلى منطقة ظل الأرض، يحدث الخسوف الكلي للقمر. خلال الخسوف الكلي، لا يختفي القمر تمامًا، بل غالبًا ما يكتسب لونًا أحمرًا أو بنيًا باهتًا، وهو ما يُعرف بـ “القمر الدموي”. هذا اللون ينتج عن تشتت ضوء الشمس بواسطة الغلاف الجوي للأرض؛ حيث تخترق الألوان الحمراء من الطيف الضوئي الغلاف الجوي للأرض وتنكسر لتصل إلى القمر. على عكس كسوف الشمس، فإن جميع مراحل خسوف القمر آمنة تمامًا للمشاهدة بالعين المجردة.
تشير تقديرات ناسا إلى وجود “موسمين للكسوف” كل عام تقويمي، يستمر كل منهما حوالي شهر، ويمكن أن تشهد مجتمعة ما بين أربعة وسبعة كسوفات وخسوفات. يعود عدم حدوث الكسوف والخسوف في كل شهر إلى ميل مدار القمر بالنسبة لمدار الأرض حول الشمس. ورغم أن الكسوف الشمسي الكلي يحدث بمعدل مرة واحدة كل 18 شهرًا تقريبًا على مستوى العالم، إلا أنه يعتبر حدثًا نادرًا في أي موقع جغرافي محدد، حيث قد لا يتكرر إلا مرة واحدة كل بضع مئات من السنين. في المقابل، يحدث خسوف القمر بمعدل أكبر، حيث يمكن رؤية خسوف كلي للقمر من أي موقع معين مرة واحدة كل سنتين ونصف تقريبًا. ومع ذلك، نظرًا لأن الكسوف الشمسي الكلي لا يُرى إلا من منطقة ضيقة جدًا على سطح الأرض في كل مرة، بينما يمكن رؤية خسوف القمر من نصف الكرة الأرضية المواجه للقمر، فقد يبدو الكسوف الشمسي أقل تكرارًا.