على مر العصور، لم تقتصر الاغتيالات على استخدام أساليب تقليدية مثل الرصاص والمتفجرات، بل ذهب منفذوها إلى أدوات غير مالوفة لتنفيذ جرائمهم بدقة وسرية. وتنوعت هذه الوسائل بين البساطة الشديدة والتعقيد المفرط، لتكون شاهدة على تطور أساليب القتل.
ومن خلال استخدام تلك الأدوات، تجنّب المنفذون سواء كانوا أجهزة مخابرات أو أشخاص عادية، التبعات السياسية والأزمات الدبلوماسية التي قد تنتج عن مثل هذه الاغتيالات. من ناحية أخرى ساهمت تلك العمليات في بث الخوف والرعب في نفوس المستهدفين تجاه أي سيء يلمسونه في حياتهم اليومية.
المظلة البلغارية
في عام 1978، تعرض المعارض البلغاري "جورجي ماركوف" للتسمم في لندن في حادثة أثارت جدلًا واسعًا حول أساليب الاغتيال خلال الحرب الباردة. فأثناء وقوفه عند محطة حافلات، شعر بوخزة مفاجئة في فخذه، ثم لاحظ رجلًا يبتعد وهو يحمل مظلة ويعتذر له. بعد أربعة أيام، توفي ماركوف متأثرًا بتسرب مادة سامة إلى جسده.
وكشفت التحقيقات الطبية عن وجود جسم صغير جدًا داخل فخذه، يبلغ قطره 1.5 مليمتر، محمّل بمادة الريسين القاتلة. وأفاد ماركوف قبل وفاته بأنه يشتبه في تورط جهاز الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي) في العملية، مشيرًا إلى الرجل الذي كان يحمل المظلة. وأسست هذه الوقائع لما عُرف لاحقًا باسم "اغتيال المظلة"، إذ استخدمت مظلة معدلة تعمل بضغط الغاز لإطلاق كبسولة سامة تحت الجلد، وهي فكرة أثارت فضول العامة ولا تزال جزءًا من أدبيات التجسس.
وتمثّل النماذج المعروضة في متحف التجسس الألماني هذه الأداة، موضحة كيف يمكن لمقبض المظلة أن يضغط على أسطوانة هواء مضغوط تطلق المقذوف الصغير القاتل. واستحوذت هذه الآلية على اهتمام الباحثين وعامة الناس لسنوات، وأصبحت رمزًا للابتكار المظلم في عمليات الاغتيال السياسية.
مع ذلك، كشفت تحقيقات لاحقة أجرتها سكوتلاند يارد عن احتمال أن وفاة ماركوف لم تكن نتيجة عمل منفذ واحد، بل كانت نتيجة تنسيق بين عدة أفراد، واستخدام سلاح يدوي صغير بدلًا من المظلة المباشرة. ورغم اختلاف التفاصيل، لا يزال جهاز المخابرات البلغاري بالتعاون مع جهاز الاستخبارات السوفيتية مسؤولًا عن مقتل الكاتب والناقد المعارض للشيوعية.
سيجار وصدفة وبدلة غوص
نجا الزعيم الكوبي، فيدل كاسترو، من عدد غير مسبوق من محاولات الاغتيال، بعدما فشلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مرارًا في استهدافه، لتتحول تلك المحاولات المتعثرة مع مرور الوقت إلى قصص يتداولها البعض بوصفها مثالًا على المفارقة والكوميديا السوداء.
السيجار المسموم
كانت من أشهر محاولات الاغتيال التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي تسميم علبة من السيجار المفضّلة لدى كاسترو بسم قوي مثل البوتولينوم على أمل أن يمارس عادة التدخين فيتعرّض للتسمم، لكن الخطة لم تنجح.
الأقراص السامة عبر وسيط
في محاولة أخرى، زوّدت الـ CIA وسيطًا كوبيًا بحبوب سامة عالية الفاعلية ليقدّمها لكاسترو بهدف تسميمه، لكن هذا المخطط أُلغي في اللحظات الأخيرة ولم يتم تنفيذه.
صدفة بحرية متفجرة
نظرًا لهواية كاسترو الغوص، خططت وكالة الاستخبارات لإخفاء متفجرات داخل صدف ملونة جذابة في مواقع غوصه المفضلة، بحيث تُفجّر عن بُعد عندما يكون قريبًا. إلا أن هذه الخطة اعتُبرت غير عملية ولم تُنفذ.
بدلة غطس ملوّثة
كان هناك مخطط لوضع فطر أو بكتيريا ممرضة داخل بدلة غطس من المفترض أن يستخدمها كاسترو، على أمل أن يُصاب بمرض مزمن أو قاتل. لكن المخطط أُلغي بعد أن قرر من يفترض تقديم الهدية عدم المشاركة.
القلم القاتل
من بين الأجهزة الأكثر غرابة، كانت هناك فكرة لاستخدام قلم مزوّد بإبرة دقيقة محمّلة بالسم ليُقدّم لكاسترو من قِبل عميل موثوق به، بحيث تُحقن السم بطريقة غير ملحوظة. ولكن الخطة لم تُنفذ بسبب تزامنها مع أحداث اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي.
السيانيد المتطاير
في خريف عام 1959، استُخدم أحد أكثر أسلحة الاغتيال سرية في ذروة الحرب الباردة داخل مدينة ميونخ الألمانية، عندما نفّذ عميل تابع لجهاز الاستخبارات السوفييتية (KGB) عملية تصفية ضد الزعيم القومي الأوكراني "ستيبان بانديرا". ولم تكن أداة الاغتيال سلاحًا ناريًا تقليديًا، بل جهازًا خاصًا صُمم على هيئة مسدس يطلق دفعة دقيقة من رذاذ حمض السيانيد شديد السمية مباشرة في وجه الهدف.
عند استنشاق الغاز، يتسبب السم في تعطيل الجهاز التنفسي خلال ثوانٍ، ما يؤدي إلى توقف القلب بشكل شبه فوري. وجعلت هذه الآلية الوفاة تبدو في ظاهرها نتيجة أزمة صحية مفاجئة، دون جروح أو آثار عنف واضحة، وهو ما منح الجريمة طابع “الوفاة الطبيعية” وأخّر كشف حقيقتها لسنوات، قبل أن تؤكد التحقيقات والمحاكمات لاحقًا تورط الاستخبارات السوفييتية في العملية.
اقرأ أيضًا:
اغتيالات غيرت مجرى التاريخ.. ماذا لو نجا ضحاياها؟
رحلة الدم.. أشهر ضحايا الاغتيالات عبر العصور
حين تقتل الخوارزميات.. مستقبل الاغتيالات في عصر الذكاء الاصطناعي














