تحليل دوافع أشهر منفذي الاغتيالات عبر التاريخ

ديسمبر ٢٥, ٢٠٢٥

شارك المقال

تحليل دوافع أشهر منفذي الاغتيالات عبر التاريخ

تعد دراسة سيكولوجية أشهر منفذي الاغتيالات مدخلاً رئيساً لفهم الكيفية التي تتقاطع بها الاضطرابات الشخصية مع القناعات الأيديولوجية لإنتاج لحظات فارقة في التاريخ الإنساني، فبينما يميل الاعتقاد الشائع إلى وصم القتلة بالجنون المطبق، يكشف التحليل المعمق لسير هؤلاء الأفراد عن أنماط سلوكية معقدة تتراوح بين اليقين العقائدي الصارم والاغتراب الاجتماعي الباحث عن "فعل بطولي" ينهي حالة التهميش.

وتثبت الوقائع التاريخية أن هؤلاء المنفذين، سواء كانوا طلابًا مندفعين أو ضباطًا منضبطين، غالبًا ما يتحركون ضمن بيئة ترى في العنف السياسي وسيلة وحيدة للتغيير، مما يجعل من أفعالهم "صدفة منظمة" قادرة على تغيير مصائر أمم بأكملها بطلقة واحدة.

رصاصة جافريلو برينسيب التي ولدت من رحم القومية

تبدأ حكاية جافريلو برينسيب من قاع الفقر في قرية بوسنية نائية، حيث نشأ هذا الشاب نحيل البنية وسط عائلة من الفلاحين المثقلين بالديون، لينتقل لاحقًا إلى سراييفو وبلغراد للدراسة.

تشرب برينسيب أفكار القومية الصربية المتطرفة هناك وانضم لجمعية "شباب البوسنة"، وهي واجهة لمنظمة "اليد السوداء" السرية.

وفي صباح الثامن والعشرين من يونيو 1914، كانت المصادفة هي البطل الحقيقي؛ فعقب فشل محاولة اغتيال أولى بالقنبلة استهدفت موكب الأرشيدوق فرانس فرديناند، ضل سائق الأرشيدوق طريقه وتوقف بالصدفة أمام مقهى كان يجلس فيه برينسيب محبطًا من فشل الخطة الأصلية.

لم يتردد برينسيب، الذي كان في التاسعة عشرة من عمره ومصابًا بمرض السل الذي لم يترك له الكثير ليعيشه، بل نهض وأطلق رصاصتين من مسافة قريبة جدًا أودتا بحياة الأرشيدوق وزوجته صوفي.

يمثل برينسيب نمط "القومي المندفع" الذي يمزج بين يأس المرض والحمية الثورية؛ فهو لم يخطط لإشعال حرب عالمية تودي بحياة 20 مليون إنسان، بل كان يرى في نفسه "محررًا" يخلص السلاف من الهيمنة النمساوية.

وفي محاكمته، صدم العالم بهدوئه وثباته قائلًا: "أنا بطل قومي، لقد قتلت الطاغية"، ليموت لاحقًا في سجن تيريزين عام 1918 قبل أن يشهد ولادة الدولة التي ضحى بنفسه من أجلها، مخلدًا اسمه كأحد أشهر منفذي الاغتيالات الذين غيرت عشوائية أفعالهم وجه القارة العجوز للأبد.

النرجسي الذي أطلق النار على الحلم الأمريكي

تنتقل فصول الدراما النفسية إلى مدينة دالاس الامريكية في نوفمبر 1963، حيث يبرز لي هارفي أوزوالد كواحد من أكثر الشخصيات غموضًا وإثارة للجدل.

أوزوالد لم يكن يمتلك قضية قومية واضحة كبرينسيب، بل كان رجلًا "منبوذًا" يبحث عن عدو يصب عليه غضبه من فشله الشخصي المتكرر، فبعد طرده من قوات المارينز وانشقاقه الفاشل إلى الاتحاد السوفيتي، عاد إلى أمريكا ليجد نفسه عاملًا بسيطًا في مستودع كتب، محاصرًا بانهيار حياته الزوجية وشعوره بالدونية.

ويرى علماء النفس أن أوزوالد كان يعاني من "اضطراب الشخصية النرجسية" الممزوج برغبة محمومة في نيل الاعتراف الاجتماعي؛ فبالنسبة له، كان قتل الرئيس جون كينيدي هو الوسيلة الوحيدة ليتحول من "نكرة" إلى جزء لا يتجزأ من التاريخ.

ومن نافذة الطابق السادس، أطلق أوزوالد رصاصاته بدقة وبرود، محققًا هدفه في صدمة العالم.

ويمثل أوزوالد نمط "المغترب الباحث عن المعنى"، حيث تحول تهميشه الاجتماعي إلى طاقة تدميرية جعلت منه أحد أشهر منفذي الاغتيالات، لا لإيمانه بأيديولوجيا معينة، بل لأن كينيدي كان يمثل كل ما عجز أوزوالد عن تحقيقه وهو السلطة، والحب الشعبي.

أشهر منفذي الاغتيالات في العالم العربي

يختلف خالد الإسلامبولي عن سابقيه في كونه "المؤدلج الصارم" الذي يتحرك داخل إطار تنظيمي وعقائدي محكم.

في السادس من أكتوبر 1981، وخلال العرض العسكري الذي شهده العالم، قاد الإسلامبولي، الملازم أول في الجيش المصري، مجموعة انقضت على المنصة الرئيسية لاغتيال الرئيس أنور السادات.

الإسلامبولي لم يكن يعاني من فقر مدقع أو فشل اجتماعي، بل كان ضابطًا متميزًا ومنضبطًا، لكنه وقع تحت تأثير أفكار تنظيم "الجهاد" وفتوى "الفريضة الغائبة".

كان الدافع وراء فعلته هو "اليقين المطلق" بأن السادات قد خرج عن الملة بسبب سياساته واتفاقية السلام، مما جعل قتله واجبًا دينيًا في نظره.

يمثل الإسلامبولي القاتل الذي يرى نفسه "أداة للقدر"؛ فهو لم يشعر بالندم حتى لحظة إعدامه، بل كان يصرخ في قاعة المحكمة: "أنا الذي قتلت الفرعون".

وتعد هذه الحادثة مثالًا على أن أشهر منفذي الاغتيالات قد يكونون من داخل مؤسسات الدولة نفسها، حيث يتم اختطاف الانضباط العسكري لخدمة رؤى أيديولوجية راديكالية ترى في العنف وسيلة وحيدة للتطهر والتغيير.

ييغال أمير الذي أوقف عجلة السلام

في الرابع من نوفمبر 1995، سقط إسحق رابين صريعًا برصاص طالب قانون يدعى ييغال أمير، في حادثة هزت المجتمع الإسرائيلي بعنف.

أمير كان يمثل نمط "الراديكالي الديني القومي" الذي يرى في التنازل عن الأرض خطيئة دينية لا تُغتفر.

وبرغم خلفيته التعليمية كطالب جامعي متفوق، إلا أنه غرق في فتاوى متطرفة تبيح دماء القادة الذين "يفرطون في حقوق الشعب".

وتكمن خطورة ييغال أمير في كونه نجح بالفعل في تعطيل مسار سياسي كامل؛ فبعد مقتل رابين، تعثرت عملية السلام ولم تعد إلى مسارها الطبيعي أبدًا.

يدرج المؤرخون أمير ضمن أشهر منفذي الاغتيالات الذين حققوا أهدافهم السياسية المباشرة، حيث لم يكن هدفه التخلص من شخص رابين بقدر ما كان هدفه "تصفية الفكرة" التي يمثلها.

ويبرز هدوءه في التحقيقات وتبريره لفعله كواجب ديني وطني كيف يمكن للأيديولوجيا أن تحول أدوات القانون إلى أدوات للفتك السياسي.

قصة اغتيال المهاتما غاندي

لا يمكن الحديث عن القتلة المؤدلجين دون ذكر ناتورام جودسي، القومي الهندوسي الذي اغتال المهاتما غاندي عام 1948.

جودسي كان يرى في غاندي "خائنًا" بسبب سياساته المتسامحة مع المسلمين وتقسيم الهند.

وتكمن المفارقة النفسية هنا في أن جودسي قبل أن يطلق الرصاص، انحنى احترامًا لغاندي، ثم أطلق عليه ثلاث رصاصات من مسافة صفر.

يجسد جودسي صراع الأيديولوجيات المتصادمة؛ فهو لم يكره غاندي الشخص، بل كره "الفلسفة" التي يمثلها.

ويعد جودسي من أشهر منفذي الاغتيالات الذين أثبتوا أن القاتل قد يكون مقتنعًا أخلاقيًا بجريمته إلى درجة "القداسة الزائفة"، حيث يرى في القتل تضحية كبرى يقدمها من أجل بقاء الأمة، وهو نمط يتكرر في كل العصور حينما تضيق المساحات السياسية وتنفجر الأيديولوجيا في وجه التسامح.

أشهر منفذي الاغتيالات في ميزان السياسة وعلم النفس

يتضح أن أشهر منفذي الاغتيالات عبر التاريخ يتوزعون بين المرض النفسي واليقين الأيديولوجي، لكنهم يشتركون جميعًا في كونهم أدوات للصدفة التي تغير العالم.

وسواء كان الدافع هو الفشل الشخصي كأوزوالد، أو القومية المندفعة كبرينسيب، أو الأيديولوجيا الصارمة كالإسلامبولي، فإن نجاح فعلهم يظل مرتبطًا بـ "مسار الرصاصة" الذي قد يفتح أبوابًا للديمقراطية أو يشعل حروبًا عالمية.

ويؤكد هذا أن التاريخ ليس نتاج القوى الكبرى فقط، بل هو أيضًا نتاج تلك اللحظات الخاطفة التي يقرر فيها "فرد" واحد إنهاء حياة "قائد" وتغيير مسار البشرية للأبد.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech