شروط حزب الله الصعبة لتسليم مفاتيح ترسانته العسكرية

ديسمبر ٢١, ٢٠٢٥

شارك المقال

شروط حزب الله الصعبة لتسليم مفاتيح ترسانته العسكرية

يجد حزب الله نفسه اليوم أمام المنعطف الأخطر في تاريخه السياسي والعسكري، حيث تتقاطع الضغوط الدولية مع الأزمات الداخلية لتضع ترسانته العسكرية على طاولة التشريح الحكومي لأول مرة منذ عقود.

ومع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته الوساطة الأمريكية في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2025 لإنهاء المظاهر المسلحة غير الشرعية، تبرز تساؤلات جوهرية حول الدوافع العميقة التي تجعل الحزب يتمسك بسلاحه رغم الانهيار الاقتصادي والضربات الأمنية المتلاحقة، وما هي الأثمان السياسية التي قد يطلبها مقابل الانحناء أمام عاصفة "حصر السلاح".

الأبعاد الأيديولوجية والوجودية في استراتيجية حزب الله

يرتكز موقف حزب الله الرافض لتسليم سلاحه على عقيدة أمنية تعتبر أن الترسانة الصاروخية هي الضمانة الوحيدة لردع الأطماع الإسرائيلية في ظل ضعف القدرات التسليحية للجيش اللبناني.

ويرى الحزب أن السلاح ليس مجرد أداة قتالية، بل هو "هوية وجودية" للطائفة الشيعية ووسيلة لضمان توازن القوى داخل النظام اللبناني الهش.

وفي خطاباته الأخيرة، أكد الأمين العام نعيم قاسم أن المقاومة جزء لا يتجزأ من "دستور الطائف"، معتبرًا أن أي محاولة لنزع السلاح عبر التصويت الحكومي هي محاولة لفرض "هزيمة سياسية" لم ينجح الاحتلال في تحقيقها ميدانيًا.

ويرى محللون أن حزب الله يتبنى استراتيجية "كسب الوقت" والمناورة الدبلوماسية، مستفيدًا من حالة الانشغال الإقليمي بقضايا فلسطين وسوريا وإيران.

ويوضحون أن الحزب يدرك أن تسليم سلاحه الثقيل في اللحظة الراهنة يعني تجريده من أوراق القوة التي تمنحه نفوذًا إقليميًا يتجاوز الحدود اللبنانية، خاصة في ظل عدم استقرار المشهدين الفلسطيني والسوري.

ويصر حزب الله على أن سلاحه شمال نهر الليطاني هو شأن داخلي صرف لا يخضع للقرارات الدولية أو التفاهمات الحدودية، مفرقًا بين "سلاح المقاومة" الموجه للخارج وبين "أمن الدولة" الداخلي.

الورقة الأمريكية وشروط المواجهة بين الحكومة وحزب الله

وضعت "الورقة الأمريكية" التي قدمها المبعوث توم باراك الحكومة اللبنانية في مواجهة مباشرة مع حزب الله، حيث اشترطت واشنطن صدور تعهد رسمي بنزع السلاح مقابل استمرار الدعم المالي للجيش اللبناني.

ورغم أن الحكومة برئاسة نواف سلام أقرت أهداف الورقة في أغسطس 2025، إلا أن انسحاب الوزراء الشيعة أضفى صبغة "غير ميثاقية" على القرار من وجهة نظر الحزب وحلفائه.

ويرى الحزب أن هذه الورقة تتجاوز روح القرار الأممي 1701، وتهدف إلى تحويل الجيش اللبناني إلى أداة لملاحقة كوادر المقاومة وتأمين الحدود الإسرائيلية دون ضمانات حقيقية بوقف الانتهاكات الجوية والبرية.

وتتضمن الورقة الأمريكية مقايضة صعبة، تقوم على نزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية محتلة ودعم إعادة الإعمار، لكن الحزب يطرح شروطًا مضادة للقبول بأي ترتيبات أمنية، تبدأ بوقف الطيران المسير الإسرائيلي الذي يغتال كوادره بشكل شبه يومي، وصولًا إلى ترسيم نهائي للحدود البرية يضمن استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

وبدون هذه الضمانات، يعتبر الحزب أن أي تسليم للسلاح هو "انتحار استراتيجي" يترك لبنان مكشوفًا أمام التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي الذي دمر بنى تحتية واسعة خلال العام الأخير.

الجيش اللبناني ومأزق التنفيذ في مناطق نفوذ حزب الله

يواجه الجيش اللبناني تحديًا لوجستيًا وسياسيًا هائلًا في محاولة تنفيذ قرارات الحكومة بـ"حصر السلاح"، فهو من جهة يعتمد على التمويل الأمريكي المهدد بالقطع، ومن جهة أخرى يخشى الصدام المباشر مع حزب الله الذي قد يؤدي إلى تفكك المؤسسة العسكرية على أسس طائفية.

ورغم نجاحات محدودة تمثلت في تفتيش مواقع في بلدات مثل "يانوح" كبديل للضربات الإسرائيلية، إلا أن العملية تظل قشرية ولا تمس جوهر القدرات الصاروخية المخبأة في الأنفاق المعقدة ومناطق الوعر في البقاع والجنوب.

وتشير التقارير الميدانية أن حزب الله يتبع سياسة "عدم المواجهة" مع الجيش حاليًا، لكنه في الوقت ذاته لا يبدي أي تعاون في كشف مخازن السلاح أو خرائط الأنفاق.

دفع هذا الجمود قوى معارضة مثل "حزب الكتائب" و"القوات اللبنانية" إلى اتهام الحكومة بالتباطؤ، مطالبين بتسريع وتيرة نزع السلاح في كافة المناطق اللبنانية.

ويرى مراقبون أن الجيش اللبناني يحتاج إلى "غطاء سياسي وطني شامل" وتفاهم إقليمي إيراني أمريكي ليتمكن من التحرك بفعالية دون المخاطرة بإشعال حرب أهلية، وهو أمر لا يبدو متاحًا في الأفق المنظور.

السيناريوهات المستقبلية لمستقبل سلاح حزب الله

تتراوح السيناريوهات المتوقعة لمستقبل هذه الأزمة بين استمرار الوضع الراهن مع استمرار الاستنزاف العسكري الإسرائيلي، وبين تسوية وسطية تقضي بتسليم حزب الله لسلاحه الثقيل (الصواريخ الدقيقة والمسيرات النوعية) مقابل بقائه كقوة سياسية واجتماعية فاعلة بأسلحة خفيفة للدفاع المحلي.

وتعول الحكومة على هذا الاحتمال باعتباره المخرج الوحيد للحفاظ على التماسك الداخلي اللبناني، خاصة إذا أدرك الحزب أن حاضنته الشعبية لم تعد تحتمل مزيدًا من الدمار والنزوح في ظل غياب أي أفق لإعادة الإعمار بدون الرضا الدولي.

وتظل الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026 هي المحطة الفاصلة التي يراهن عليها خصوم حزب الله لإحداث تغيير في توازنات القوى الشرعية، بينما يراهن الحزب على قدرته على الصمود والترميم التدريجي لقواته بانتظار تغير الإدارة الأمريكية أو وصول المفاوضات النووية الإيرانية إلى محطتها الأخيرة.

وفي نهاية المطاف، سيبقى ميزان القوى الميداني والقدرة على تحمل التكاليف الاقتصادية هما الحكمان في رسم مآل السلاح؛ فإما تنازلات مؤلمة تضمن بقاء الحزب داخل الدولة، أو إصرار يقود البلاد نحو مواجهة شاملة قد تنهي صيغة لبنان التي نعرفها.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech