صعّدت واشنطن من لهجتها تجاه الجنائية الدولية، إذ طالبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحكمة بتعديل نظامها الأساسي بما يضمن عدم فتح أي تحقيق مستقبلي مع ترامب أو كبار مسؤولي إدارته، وأفاد مسؤول بارز في الإدارة، مشترطًا عدم الكشف عن اسمه، أنّ الولايات المتحدة أوصلت هذه المطالب رسميًا إلى الدول الأعضاء في الجنائية الدولية، بما في ذلك دول حليفة، إضافة إلى المحكمة نفسها.
وتشمل المطالب أيضًا إسقاط التحقيقات المرتبطة بقادة إسرائيليين في حرب غزة، وكذلك إنهاء التحقيق السابق المتعلق بالقوات الأميركية في أفغانستان.
تحذير من عقوبات أوسع قد تستهدف مسؤولي المحكمة
وحذّر المسؤول من أن تجاهل الجنائية الدولية لهذه المطالب قد يدفع واشنطن إلى فرض عقوبات إضافية تطال عددًا أكبر من مسؤولي المحكمة، وربما تستهدف الجنائية الدولية كهيئة كاملة، في خطوة ستعد تصعيدًا كبيرًا في المواجهة المفتوحة بين الطرفين.
ويؤكد مسؤولون أميركيون من الحزبين أن المحكمة تمس السيادة الأميركية، وأن انخراطها في التحقيقات المرتبطة بعمليات عسكرية أميركية يمثل تجاوزًا غير مقبول.
سياق قانوني متوتر بعد أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين
كانت الجنائية الدولية قد أصدرت في نوفمبر أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، والقيادي في حركة حماس إبراهيم المصري، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب غزة.
كما سبق للمحكمة أن فتحت عام 2020 تحقيقًا في أفغانستان شمل احتمال تورط قوات أميركية في انتهاكات، ورغم خفض أولوية التحقيق في الدور الأميركي منذ 2021، إلا أنّه لم يُغلق رسميًا.
قلق أميركي من استهداف محتمل في عام 2029
أكد المسؤول الأميركي أن القلق يتزايد داخل الإدارة من احتمال توجيه الجنائية الدولية اهتمامها في عام 2029 نحو ملاحقة الرئيس ونائبه ووزير الحرب ومسؤولين آخرين بمجرد انتهاء ولاية ترامب، واصفًا ذلك بأنه “غير مقبول”.
وأشار إلى أن أي تعديل على نظام روما الأساسي سيواجه مسارًا طويلًا ومعقدًا، إذ يتطلب تأييد ثلثي الدول الأطراف، بينما اكتفت وحدة الشؤون العامة في الجنائية الدولية بالتذكير بأن تعديل النظام هو من صلاحيات الدول الأعضاء.
تداعيات محتملة لعقوبات تطال "الجنائية الدولية" ككيان
ويرجح محللون أن العقوبات الأميركية، في حال استهدفت الجنائية الدولية بصفتها مؤسسة، قد تعرقل عملياتها اليومية، بما في ذلك رواتب الموظفين وإدارة الحسابات المصرفية والأنظمة الإلكترونية الحيوية.
وتضم المحكمة 125 دولة عضوًا—جميع دول الاتحاد الأوروبي من بينها—فيما تظل قوى كبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة خارج عضويتها، ويشمل اختصاص الجنائية الدولية ملاحقة الأفراد عن الجرائم المرتكبة داخل أراضي الدول الأعضاء، بمن فيهم رؤساء الدول أثناء وجودهم في مناصبهم.
تحفّظات أميركية وقلق من نطاق التحقيقات
ورفض المسؤول الأميركي الإفصاح عن الملفات التي تخشى الإدارة أن تفتحها الجنائية الدولية، لكنه أشار إلى “أحاديث قانونية مفتوحة” حول احتمال استهداف ترامب ومسؤوليه بعد انتهاء ولايته، وقال إن الحل يكمن في تعديل واضح لنظام المحكمة يثبت عدم امتلاكها ولاية قضائية على المواطنين الأميركيين.
وتزامنت هذه الضغوط الأميركية على الجنائية الدولية مع استمرار حملة عسكرية أميركية منذ سبتمبر تستهدف سفنًا يُشتبه بنقلها المخدرات في البحر الكاريبي وسواحل أميركا اللاتينية، وأسفرت عن مقتل أكثر من 80 شخصًا.
ويعتزم أعضاء في الكونغرس التحقيق في تقارير الضربات، بينما أصرت الإدارة على قانونية العمليات، ورفض المسؤول تأكيد إذا كانت هذه التطورات مرتبطة بمخاوف من ملاحقة أفراد أميركيين على خلفية عمليات في فنزويلا، كما امتنع عن تحديد موعد بدء واشنطن التواصل مع الجنائية الدولية والدول الأعضاء.
مخاوف من تقويض مبادئ المحكمة الأساسية
ويرى مراقبون أن منح حصانة شاملة لمسؤولين محددين سيُعد سابقة تقوّض مبادئ الجنائية الدولية، إذ يتطلب مثل هذا التغيير موافقة جمعية الدول الأطراف، وبينما تتطلب معظم التعديلات موافقة ثلثي الدول الأعضاء، فإن أي تعديل جوهري يمس اختصاص المحكمة يستوجب أغلبية أكبر، وفقًا للنظام الأساسي.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
أوروبا أمام إنذار أمريكي.. 2027 آخر موعد لتولي عبء الدفاع في الناتو











