تمثّل غيلين ماكسويل، المولودة في 25 ديسمبر 1961 بفرنسا، تجسيدًا مروعًا للتقاطع بين الثراء والسلطة والجريمة الخفية.
انتقلت هذه الشابة، التي كانت يومًا من أبرز نجمات المجتمع المخملي البريطاني والأمريكي، من كونها سليلة إمبراطور الإعلام اللامع روبرت ماكسويل إلى أن تُدان في عام 2021 بتهمة الاتجار بالجنس والتآمر، لتُصبح شريكة مجرمة لجيفري إبستين.
ويُسلّط مسار سقوطها الضوء على الكيفية التي استُخدمت بها الاتصالات والنفوذ الاجتماعي لتسهيل واحدة من أبشع حلقات الاستغلال الجنسي للقاصرات التي كشفت عنها المحاكم الأمريكية.
من هي غيلين ماكسويل؟
تعد غيلين ماكسويل هي الابنة الصغرى لعائلة ماكسويل، التي يرأسها روبرت ماكسويل، قطب الإعلام البريطاني المثير للجدل وعضو سابق في البرلمان عن حزب العمال.
نشأت غيلين في قصر ضخم يضم 53 غرفة بالقرب من أكسفورد، ضمن أجواء من الترف والامتيازات الاجتماعية، حيث كانت عائلتها تستضيف باستمرار شخصيات سياسية ونجومًا وحتى أفرادًا من العائلة المالكة.
ويُروى أن غيلين ماكسويل كانت الابنة المدللة والمفضلة لوالدها، الذي سُمّيت باسمها يخته الفاخر "ليدي غيلين".
تلقت غيلين ماكسويل تعليمها في كلية باليول المرموقة بجامعة أكسفورد في الثمانينات، وسرعان ما أصبحت شخصية بارزة في المشهد الاجتماعي بلندن.
وبعد انتقالها إلى نيويورك في يناير 1991 كممثلة لوالدها في صحيفة نيويورك ديلي نيوز (New York Daily News)، شهدت حياتها تحولًا جذريًا ومأساويًا.
غرق والدها، روبرت ماكسويل، في ظروف غامضة من يخته قبالة جزر الكناري في نوفمبر 1991، وكشف موته عن فضيحة مالية هائلة، حيث تم الكشف أنه سرق مئات الملايين من الدولارات من صناديق التقاعد الخاصة بموظفي شركاته، مما أدى إلى انهيار إمبراطوريته الإعلامية.
أُصيبت عائلة ماكسويل بالإذلال والانهيار المالي والاجتماعي، وهو ما دفع غيلين ماكسويل للانتقال بشكل دائم إلى نيويورك والاندماج في دائرة اجتماعية جديدة.
شراكة غيلين ماكسويل مع جيفري إبستين
التقت غيلين ماكسويل بجيفري إبستين، الذي كان حينها مستشارًا ماليًا ثريًا، إما في أواخر الثمانينات أو أوائل التسعينيات.
تطورت العلاقة بينهما لتصبح عاطفية في البداية، قبل أن تتحول إلى شراكة مهنية وشخصية عميقة استمرت لعقود.
اعتُبرت غيلين ماكسويل بمنزلة "مدبرة المنزل" أو الشريك الأقرب لجيفري إبستين، حيث تولت مجموعة متنوعة من المهام، بما في ذلك توظيف الموظفين وتسهيل سفرياته، وتلقت مدفوعات منه بلغت ما يزيد عن 30 مليون دولار أمريكي.
ولكن دور غيلين ماكسويل الأهم والأكثر خطورة كان في بناء شبكة النفوذ الواسعة لإبستين، فقد استخدمت علاقاتها السابقة التي كونتها في بريطانيا ونيويورك لتقديم جيفري إبستين إلى النخبة العالمية.
ساعدت تلك الاتصالات إبستين في بناء دائرة اجتماعية ضمت سياسيين بارزين مثل بيل كلينتون، ودونالد ترامب، والأمير أندرو دوق يورك، الذي كان صديقًا مقربًا لغيلين ماكسويل منذ الثمانينات.
وزودت ماكسويل شريكها إبستين بوصول لا يقدر بثمن إلى القمة، مما عزز مكانته في عالم المال والسياسة.
الاتهامات الموجهة لشريكة إبستين
بدأت الدور الإجرامي لغيلين ماكسويل بالوضوح في منتصف التسعينيات، حيث ادعت النيابة الفيدرالية الأمريكية أنها لم تكن مجرد شريكة سلبية، بل كانت العقل المدبر وراء تجنيد واستدراج القاصرات.
ووفقًا للوثائق والشهادات المقدمة في المحاكمة، ساعدت ماكسويل في تنظيم وتسهيل الاعتداء الجنسي على الفتيات القاصرات لجيفري إبستين وآخرين لمدة عقد على الأقل، بين عامي 1994 و2004.
استغلت غيلين ماكسويل موقعها كـ "امرأة بالغة مطمئنة" لكسب ثقة الضحايا، اللاتي كن في بعض الأحيان لا يتجاوز عمرهن 14 عامًا.
اشتمل دورها على:
- التجنيد والاستدراج: كانت تسعى لمصادقة الفتيات القاصرات عبر سؤالهن عن حياتهن، ومصاحبتهن في جولات تسوق، وأخذهن إلى دور السينما، مما يمنحهن شعورًا بالراحة والأمان.
- التطبيع والتسهيل: قامت بتهيئة الأجواء للجريمة، حيث كانت تناقش مواضيع جنسية، وتخلع ملابسها أمام الضحايا، وتشجع الضحية على تدليك إبستين، مما يزيل الحواجز الأخلاقية ويجعل الاعتداء يبدو طبيعيًا ومقبولًا في نظر الضحايا الصغيرات.
- المشاركة المباشرة: أظهرت الأدلة أن غيلين ماكسويل كانت حاضرة في بعض اللقاءات الجنسية بين الضحايا القاصرات وإبستين، بل وفي بعض الأحيان شاركت في "التدليك" الذي كان ذا طبيعة جنسية.
واجهت ماكسويل أولى الدعاوى المدنية المباشرة في عام 2015 بتهمة الاتجار بالجنس، بما في ذلك دعوى من فيرجينيا جوفري، التي زعمت أن غيلين جندتها عندما كانت مراهقة لجيفري إبستين.
سقوط غيلين ماكسويل
وبعد الحكم على جيفري إبستين في عام 2008، زعم البعض أن غيلين ماكسويل واصلت العمل في ممتلكاته وحافظت على علاقاتها به، غير أن انتحاره في أغسطس 2019 أثناء محاكمته الفيدرالية، حوّل الأنظار بشكل كامل ومكثف نحوها.
بدأت تواجه تحديات قانونية متزايدة، مما دفعها لبيع منزلها في نيويورك، وبحلول عام 2017، اختفت عن الأنظار فعليًا.
وفي يوليو 2020، بعد مرور عام تقريبًا على وفاة إبستين، ألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) القبض على غيلين ماكسويل في منزلها في نيو هامبشاير، بعد أن قضت فترة في الاختباء.
ووُجهت إليها تهم فيدرالية بالاتجار بالجنس واستدراج القاصرات، وبسبب ما وصفه القاضي بـ "غموض" أموالها، وقدرتها على العيش مختبئة، وحيازتها لجنسيات متعددة (بريطانية، فرنسية، أمريكية)، اعتُبرت غيلين ماكسويل خطر فرار، وتم رفض إطلاق سراحها بكفالة، وظلت محتجزة لمدة 16 شهرًا قبل محاكمتها.
مصير شريكة إبستين في الجريمة
بدأت محاكمة غيلين ماكسويل الجنائية الفيدرالية التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في نيويورك، ووصفها المدعون في المرافعات الافتتاحية بأنها كانت "سيدة المنزل" لجيفري إبستين، التي عملت على تهيئة الفتيات المراهقات للاعتداء الجنسي.
وبعد محاكمة استمرت شهرًا، أدانت هيئة المحلفين ماكسويل في ديسمبر 2021 بخمس تهم من أصل ست، كان أبرزها تهمة الاتجار الجنسي بقاصر والتآمر لارتكابها.
وفي يونيو 2022، حكمت القاضية أليسون ناثان على ماكسويل بالسجن لمدة 20 عامًا، تليها خمس سنوات من الإفراج تحت الإشراف، بالإضافة إلى غرامة قدرها 750,000 دولار.
ورفضت القاضية محاولات محامي غيلين ماكسويل لطلب إعادة المحاكمة، مؤكدة على مدى الضرر النفسي والعاطفي الذي لحق بالضحايا بسبب أفعالها.
وبالرغم من الحكم القاسي، استمرت ماكسويل في الظهور في واجهة المشهد السياسي حتى بعد إدانتها، خاصة خلال فترة الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب.
وظهرت رسائل بريد إلكتروني، يُزعم أنها من جيفري إبستين إليها في عام 2011، تشير إلى أن ترامب "قضى ساعات في منزلي" مع إحدى الضحايا.











