أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة من الجدل مساء الأربعاء بعد منشور على منصته للتواصل الاجتماعي لمح فيه إلى إمكانية إنهاء الحظر الأميركي المفروض منذ عقود على التجارب النووية التفجيرية، في خطوة حذر خبراء من أنها قد تعيد سباق التسلح النووي إلى الواجهة وتعرض الأمن العالمي للخطر.
وقبل دقائق من لقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، أعلن ترامب أنه أصدر تعليمات إلى وزارة الحرب ببدء اختبارات على الأسلحة النووية “بشكل متكافئ”، مؤكدًا أن التنفيذ سيبدأ “على الفور”، من دون توضيح طبيعة هذه التجارب.
غموض حول المقصود بـ”التجارب النووية”
بحسب ما نشرته وكالة ABC الإخبارية، لم يقدم البيت الأبيض تفاصيل حول ما إذا كان الرئيس يقصد تفجيرات نووية فعلية — مثل تلك التي أجرتها كوريا الشمالية في العقدين الأخيرين — أم مجرد اختبارات تقنية تتعلق بمنصات الإطلاق. وقال نائب الرئيس جيه دي فانس في تصريح مقتضب إن “منشور الرئيس واضح بذاته”، مضيفًا أن من الطبيعي اختبار الترسانة “للتأكد من جاهزيتها”.
من جانبه، أوضح الأدميرال ريتشارد كوريل، المرشح لقيادة القيادة الاستراتيجية الأميركية، أن حديث ترامب عن “اختبارات متكافئة” لا يعني بالضرورة العودة إلى التجارب التفجيرية، بل ربما يشير إلى اختبارات تقنية تحافظ على توازن الردع مع الخصوم. أما ترامب، فصرح لاحقًا بأن “لا روسيا ولا الصين قامتا بتفجيرات نووية”، مضيفًا أن واشنطن لا تعتزم كسر التجميد القائم منذ نحو ثلاثين عامًا. وعندما سئل المتحدث باسم البيت الأبيض لاحقًا عن التصريحات، قال إن الرئيس “ربما كان يشير إلى تجارب تتفق مع المعايير الحالية”.
النظام العالمي للحد من الانتشار أمام اختبار صعب
وتعود آخر تجربة نووية أميركية إلى عام 1992، عندما أوقف الرئيس جورج بوش الأب البرنامج التجريبي وأعلن التزام واشنطن بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية الموقعة عام 1996، رغم أنها لم تدخل حيز التنفيذ لعدم مصادقة بعض الدول الكبرى عليها، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا. وتشير كيسي دافنبورت، مديرة سياسات منع الانتشار النووي في “جمعية الحد من الأسلحة”، إلى أن العالم يقف اليوم عند “منعطف حرج” في نظام ضبط التسلح، محذرة من أن أي دولة تستأنف التجارب ستمنح مبررًا لغيرها لتطوير قدراتها النووية، مما يهدد بانهيار التوافق الدولي الذي التزم به الجميع باستثناء كوريا الشمالية.
ولم يُعرف بعد الدافع وراء تصريحات ترامب، خصوصًا أنه كان قد انتقد قبل أيام تجارب روسية على أسلحة نووية محتملة واعتبرها “غير مسؤولة”. أما الكرملين فاعتبر أن التجارب العسكرية التي أجرتها موسكو مؤخرًا “روتينية”، مؤكداً في الوقت نفسه أن روسيا “سترد بالمثل” إذا قررت واشنطن استئناف التجارب النووية. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن بلاده “ستتصرف وفق الموقف الأميركي”، لكنه شدد على أن ما قامت به موسكو “ليس تجربة نووية بأي حال”.
سباق جديد محتمل في الأفق
ترى دافنبورت أن العودة الأميركية إلى التجارب النووية ستمنح روسيا والصين فرصة نادرة لتحسين تصاميم رؤوسهما الحربية، رغم تفوق الولايات المتحدة بفضل مواردها الحاسوبية ومختبراتها المتقدمة. وأضافت أن “استئناف التجارب سيقوض الميزة التقنية الأميركية التي ضمنها وقف التفجيرات منذ التسعينيات”. وفي الكونغرس، حذّر السيناتور جاك ريد من التعامل بخفة مع تصريحات الرئيس، معتبرًا أنها تشير إلى “اختبارات تفجيرية حقيقية”، ومذكّرًا بأن الولايات المتحدة أجرت خلال الحرب الباردة أكثر من ألف تجربة نووية، وهو عدد يتجاوز بمئات ما قامت به روسيا أو الصين.
وأوضح ريد أن تلك التجارب منحت الولايات المتحدة قاعدة بيانات هائلة مكّنتها من تطوير “نماذج محاكاة رقمية متقدمة” تغني عن الحاجة للتفجيرات الفعلية. وختمت دافنبورت بالقول إن “التمسك بوقف التجارب يمنح واشنطن تفوقاً استراتيجيًا، بينما كسر هذا الالتزام سيكون خطوة غير محسوبة قد تفتح الباب أمام سباق تسلح جديد”.
اقرأ أيضًا:
صفقة “ترامب” مع “شي”.. مكسب للصين أم مخاطرة لأمريكا؟
صاروخ 9M729.. السلاح الذي أعاد موسكو إلى دائرة الاتهام النووي
هل يحق لترامب الترشح لولاية ثالثة؟












