
يثير قرار الولايات المتحدة بعدم الاعتماد على الأمم المتحدة، وتحديدًا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، في توزيع المساعدات داخل قطاع غزة، تساؤلات واسعة حول خلفيات الموقف الأمريكي ودوافعه السياسية، في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
وقال المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة، إن الموقف الأمريكي ليس مرتبطًا بالأونروا من حيث أدائها أو طبيعة عملها، بل هو في جوهره موقف سياسي. وأوضح أن “الولايات المتحدة في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتحديدًا خلال عامي 2017 وبداية 2018، كانت قد قطعت المساعدات عن الأونروا بالكامل، ثم أعادت إدارة الرئيس جو بايدن هذه المساعدات بعد توليها السلطة. ومع ذلك، فإن الإدارة نفسها عادت واتخذت مؤخرًا موقفًا جديدًا بوقف المساعدات، رغم أن بعض مستشاري الرئيس كانوا قد زاروا مدارس الأونروا وأشادوا بها”.
وأضاف أبو حسنة: “زار كوشنير وعدد من المسؤولين الأمريكيين مدارس الأونروا، وأكدوا أنها مدارس رائعة تُدرّس قيم التعايش والسلام وتناهض التطرف. ومع ذلك، اتُخذ بعد ذلك موقف مناقض تمامًا، ما يعكس أن القرار سياسي بامتياز”.
وأشار إلى أن هناك اتهامات متكررة للأونروا بأنها تُطيل أمد قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأن وجودها بحد ذاته يشكل شاهدًا على هذه القضية التي لا ترغب بعض الأطراف في استمرارها. وأضاف: “يُعتقد أن تصفية الأونروا ستعني عمليًا تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي إنهاء أحد أعمدة الحل السياسي المعروف باسم حل الدولتين. للأسف، هذا هو جوهر الموقف الحالي”.
وشدد أبو حسنة على أن محكمة العدل الدولية أكدت بالأمس أن الأونروا منظمة مستقلة وحيادية ولم يثبت اختراقها من أي تنظيم على الإطلاق، مؤكدًا أن “الموقف الأمريكي لا علاقة له بعمل الأونروا أو بمناهجها أو بعملياتها الإنسانية، وإنما يرتبط بشكل مباشر بالموقف الإسرائيلي من الوكالة”.
وأوضح أن “وجود الأونروا مرتبط بحلول سياسية تاريخية، إذ أن الأمم المتحدة هي من أقامت دولة إسرائيل بقرار عام 1948، وفي الوقت نفسه أنشأت الأونروا لمنح الفلسطينيين الدعم والخدمات الأساسية. ومنذ ذلك الحين، يتم تجديد تفويض الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة كل ثلاث سنوات، وهذا التفويض سيُعرض للتجديد في ديسمبر المقبل لمدة ثلاث سنوات أخرى”.
وتابع: “الأونروا ليست جمعية خيرية أو منظمة غير حكومية، بل هي وكالة تابعة للأمم المتحدة بتفويض رسمي من الجمعية العامة. وإذا أرادت إسرائيل أو الجهات المؤيدة لها إلغاء الأونروا أو تعديل تفويضها، فعليها أن تتجه إلى التصويت الأممي في ديسمبر المقبل وتقنع الدول الأعضاء بذلك”.
لماذا رفضت واشنطن الاستعانة بالأمم المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة؟
المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة يجيب على هذا السؤال#هنا_الرياض pic.twitter.com/A5utzBZxIm
— هنا الرياض (@AlriyadhHere) October 24, 2025
وفي سياق متصل، انتقد أبو حسنة أداء مؤسسة “غزة الإنسانية” التي أنشأت أربع نقاط توزيع للمساعدات داخل القطاع، معتبرًا أنها فشلت فشلًا ذريعًا.
وأضاف: “المؤسسة أنشأت أربع نقاط توزيع في قطاع غزة، لكن النتيجة كانت مأساوية؛ إذ قُتل نحو 2600 فلسطيني وجُرح حوالي 18 ألفًا أثناء محاولتهم الوصول إلى تلك النقاط لتسلّم المساعدات، دون أن تتمكن المؤسسة من تقديم أي استجابة عملية للأزمة الإنسانية أو مواجهة المجاعة التي تتفاقم يومًا بعد يوم”.
وأشار إلى أن هناك خطة جديدة يجري الحديث عنها حاليًا لتوزيع المساعدات، إلا أن الأمم المتحدة ووكالة الأونروا لم تُطلعا رسميًا على تفاصيلها. وقال: “لم نتلقَّ أي إشعار أو مشاركة رسمية في هذه الخطة، وكل ما نعرفه جاء عبر وسائل الإعلام، من خلال تسريب لإحدى الوكالات، يشير إلى أن الخطة تتحدث عن إنشاء 12 إلى 14 نقطة توزيع داخل غزة، لكننا لا نعرف تفاصيلها أو الجهة التي ستنفذها”.
وأضاف: “السؤال الآن: هل سيتم تجاوز منظومة الأمم المتحدة والأونروا في هذه الخطة الجديدة أيضًا؟ الأونروا تمتلك أكثر من 400 نقطة توزيع في القطاع وآلاف الموظفين القادرين على تنفيذ عمليات إغاثية واسعة النطاق باحترافية عالية. أما المؤسسات الصغيرة أو التجمعات المؤقتة، فليس لديها القدرة ولا البنية التحتية اللازمة لإدارة أزمة بهذا الحجم”.
وتابع قائلاً: “إذا كانت الخطة الجديدة مجرد تكرار لتجربة مؤسسة غزة الإنسانية، عبر استقدام عشرات العسكريين المتقاعدين أو المرتزقة الذين يعملون بالأجر، فستكون النتيجة كارثية. التجربة السابقة أثبتت فشل هذا النموذج تمامًا، وغياب أي قدرة حقيقية على التعامل مع الوضع الميداني والاحتياجات الإنسانية الهائلة”. وأكد أبو حسنة أن محكمة العدل الدولية شددت في حكمها الأخير على أن توزيع المواد الإغاثية يجب أن يكون بيد الأونروا، لأنها الجهة الوحيدة التي لا بديل عنها. وقال: “أي محاولة لاستنساخ دور الأونروا أو جلب منظمات أخرى صغيرة تتألف من 30 أو 50 شخصًا لن تنجح إطلاقًا، بل ستؤدي إلى نتائج مأساوية”.
وأوضح أن “حتى المساعدات التي تدخل غزة من خارج قنوات الأونروا، تتولى الوكالة نفسها مهمة توزيعها ميدانيًا في النهاية، بحكم خبرتها وقدرتها على الوصول الآمن للمحتاجين”. واختتم أبو حسنة حديثه بالقول: “نعتقد أن استبعاد الأمم المتحدة، وحرمانها من الدور الرئيسي في إدارة عمليات الإغاثة، سيؤدي إلى فشل ذريع في أي خطة إنسانية جديدة. الأونروا هي العمود الفقري لأي جهد دولي في غزة، ومحاولات تهميشها أو تجاوزها لن تجلب سوى مزيد من الكوارث”.
المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة يوضح لـ #هنا_الرياض دور الوكالة الأممية في خطة “حزام غزة” للمساعدات الإنسانية والتي ترعاها الولايات المتحدة pic.twitter.com/h9oKmN5tMx
— هنا الرياض (@AlriyadhHere) October 24, 2025
اقرأ أيضًا:
منها تسليم غزة للجنة مؤقتة.. أبرز قرارات اجتماع الفصائل الفلسطينية