
تحولت ساحة الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى مختبر مفتوح للتجريب العسكري، حيث يتسابق الطرفان في تطوير أساليب قتال وأسلحة جديدة، من القنابل النفاثة إلى الطائرات المسيّرة البحرية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت مؤشرات واضحة على هذا التطور، إذ بدأت روسيا في استخدام قنابل محدثة تعمل بالدفع النفاث، بينما حوّلت أوكرانيا طائرات خفيفة إلى “صواريخ انتحارية” طويلة المدى. في الوقت نفسه، يتسارع اعتماد الجانبين على الذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة، رغم أن كثيرًا من الابتكارات تأتي بوسائل بسيطة ومحدودة التقنية.
وفي إحدى الليالي بأحد المطارات الأوكرانية، جهز فريق صغير طائرة خفيفة لرحلة تمتد 2000 كيلومتر داخل الأراضي الروسية. الهدف كان مصنعًا للمتفجرات في مدينة دزيرجينسك. وبعد ساعات من الإقلاع، اندلع حريق كبير في المصنع المستهدف. وصمم الطائرة هاوٍ أوكراني يُعرف باسم “غورونيتش”، حول مقعد الطيار إلى خزان وقود وبطاريات ونظام ملاحة واتصال، ليجعل من الطائرة العادية سلاحًا بدائيًا بمدى بعيد. المشروع تطور لاحقًا إلى وحدة متخصصة ضمن قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، ونفذ هجومًا جديدًا على مصنع روسي في مدينة سارانسك.
ولكن تجربة “غورونيتش” ليست الوحيدة. فالطرفان يعملان باستمرار على تعديل الطائرات الخفيفة والطائرات بدون طيار لتأدية مهام قتالية جديدة. وأعلن رئيس أركان الجيش الأوكراني، أوليكساندر سيرسكي، أن الطائرات الخفيفة المزودة برشاشات نجحت في اعتراض مسيّرات روسية، وأن الجيش يعتزم توسيع استخدامها. وفي المقابل، بدأت روسيا بنشر طائرات صغيرة مسلحة في المناطق التي تسيطر عليها لإسقاط المسيّرات الأوكرانية، لكن بثّ لقطات تلفزيونية لتلك الطائرات ساعد كييف على تحديد مواقعها وتدميرها، بحسب جهاز الأمن الأوكراني.
كما تعمل موسكو على تطوير قنابل موجهة جديدة تعمل بمحركات نفاثة، مستفيدة من مخزونها القديم من القنابل السوفيتية. ويصل مدى النسخة الأحدث منها إلى نحو 200 كيلومتر. وفي يوم واحد من الأسبوع الماضي، أطلقت القوات الروسية حوالي 300 قنبلة من هذا النوع على الأراضي الأوكرانية. وتقول كييف إن روسيا استخدمت الطراز الأحدث، المعروف باسم UMPB-5، في ضربات على مدينة خاركيف مؤخرًا، وإن إنتاجه المتزايد قد يرفع وتيرة الهجمات الجوية الروسية خلال المرحلة المقبلة.
في المقابل، تواصل أوكرانيا تطوير طائرات بحرية مسيّرة استخدمتها في هجمات على أهداف روسية في البحر الأسود، من بينها الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم المحتلة. وتستطيع النسخة الجديدة من هذه الطائرات قطع أكثر من 1500 كيلومتر وحمل ما يصل إلى طنين من المتفجرات، إضافة إلى إمكانية تزويدها بمنصات إطلاق صواريخ.
ويقول خبراء عسكريون إن أوكرانيا كانت أكثر قدرة على التكيف في بداية الحرب، لكن روسيا سرعان ما طورت تكتيكات جديدة، مثل تدريع المركبات، وتحسين التمويه، وتنفيذ هجمات عبر وحدات صغيرة. كما أنشأت وزارة الدفاع الروسية وحدة خاصة للمسيّرات تُعرف باسم “روبيكون” لتطوير أساليب قتال جديدة. ورغم ذلك، ما زالت كييف تواجه عجزًا في الدفاع الجوي، في ظل الهجمات الروسية المتواصلة التي تستخدم مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة في ليلة واحدة. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جدّد مطالبه بالحصول على أنظمة “باتريوت” الأمريكية بعد هجوم على كييف أسفر عن مقتل مدنيين.
وتشير تقديرات الاستخبارات الأوكرانية إلى أن روسيا تستعد لإنتاج أكثر من 6 آلاف طائرة مسيّرة من طراز “شاهد” شهريًا، وهو ما يدفع كييف للمطالبة بصواريخ بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية. وفي حين ترفض واشنطن حتى الآن تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك”، تراهن كييف على دعم أوروبي جديد لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.
اقرأ أيضًا:
روسيا والأسلحة الكيميائية.. ماذا نعرف عن القاتل المحظور؟
آلية أوروبية جديدة لتوظيف الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا
بوتين عن إنهاء حرب أوكرانيا : “نورًا في نهاية النفق” بفضل الجهود الأميركية