تستعد الولايات المتحدة لموجة واسعة من التظاهرات الشعبية التي دعت إليها حركة “لا للملوك” (No Kings)، اليوم السبت، بمشاركة طيف واسع من الجماعات الحقوقية والمدنية، في أكبر تحرك احتجاجي تشهده البلاد منذ تولي الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية. وتهدف هذه الاحتجاجات إلى التعبير عن رفض ما يعتبره المنظمون نزعة “استبدادية ومركزة للسلطة” داخل إدارة ترامب، مؤكدين أن أمريكا “جمهورية ديمقراطية لا تُقاد كإمبراطورية”.
ومن المتوقع تنظيم أكثر من 2700 فعالية في المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو ولوس أنجلوس، إضافة إلى بلدات صغيرة في ولايات تُعد معاقل للحزب الجمهوري، وحتى قرب مقر إقامة الرئيس في مارالاغو بولاية فلوريدا. كما ستشهد مدن كندية، بينها تورونتو وفانكوفر وأوتاوا، فعاليات تضامنية متزامنة.
وتأتي هذه الموجة الثانية من مظاهرات “لا للملوك” بعد أشهر من الجولة الأولى التي خرج فيها ملايين الأمريكيين رفضًا لعرض عسكري أقامته إدارة ترامب في واشنطن، ولما وصفوه حينها بتوجهات سلطوية تضعف مؤسسات الديمقراطية. ويقول المنظمون إنهم وسّعوا نطاق الحراك هذه المرة ليشمل قضايا تمس الحريات المدنية، وحقوق المهاجرين، والعدالة العرقية، وحماية الأقليات والمتحولين جنسيًا، مؤكدين أن إدارة ترامب “صعّدت ممارساتها القمعية” عبر مداهمات جماعية للمهاجرين ونشر القوات الفيدرالية في المدن ذات القيادة الديمقراطية.
تتزامن الاحتجاجات مع استمرار الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية، في ظل خلاف حاد بين البيت الأبيض والكونغرس حول موازنة الدعم الصحي، وهو ما جعل الأجواء السياسية أكثر اشتعالًا. ويخشى مراقبون من أن تتحول التظاهرات إلى ساحة لتصعيد الانقسام الداخلي، خصوصًا بعد أن أصدرت وزارة الأمن الداخلي تقريرًا استخباراتيًا حذّر من احتمال تسلل عناصر عنيفة إلى بعض المسيرات، رغم عدم وجود تهديدات محددة. ودعا التقرير الشرطة المحلية إلى مراقبة مؤشرات مثل تحركات جماعات ذات سجل في “استغلال الاحتجاجات السلمية للعنف”، وتنسيق الجهود مع منظمي الفعاليات لتقليل التوتر.
وتُعرف الحركة التي تقف وراء هذه التظاهرات باسم “المشروع غير القابل للتجزئة” (Indivisible Project)، وهي منظمة مدنية ظهرت عقب فوز ترامب في الانتخابات الأولى، وتتبنى مبدأ “المقاومة السلمية المنظمة”. وتركز الحركة على بناء شبكات محلية للتعبئة الشعبية ضد ما تصفه بـ”النزعات السلطوية” في النظام السياسي الأمريكي. وتشير في بياناتها إلى أنها درّبت عشرات الآلاف من النشطاء على تقنيات ضبط النفس والتعامل مع المواقف المتوترة، مشددة على أن الاحتجاجات ستكون سلمية بالكامل.
ويقول المتحدثون باسم الحركة إن اختيار اسم “لا للملوك” يحمل دلالة رمزية واضحة وهي رفض تحويل الرئاسة إلى سلطة مطلقة أو شخصية فوق القانون. فالمتظاهرون يرون في هذا الشعار تذكيرًا بالمبدأ الذي تأسست عليه الولايات المتحدة، أن الحكم للشعب، لا لحاكم يتصرف كملك.
ردّ ترامب على الاحتجاجات خلال مقابلة مع قناة “فوكس للأعمال”، ساخرًا من فكرة أن يُشار إليه كملك، وقال: “أنا لست ملكًا، لكن يبدو أنهم يفضلون إغلاق الحكومة من أجل هذه المظاهرات”. أما عدد من القادة الجمهوريين فاعتبروا الحراك “معاديًا لأمريكا”، في حين ذهب بعضهم إلى اتهام المشاركين بأنهم “أنصار حماس أو مجموعات يسارية متطرفة”، دون تقديم أدلة.
ويرى المراقبون أن مظاهرات “لا للملوك” لم تعد مجرد احتجاجات ضد سياسات بعينها، بل تحولت إلى حركة رمزية تدافع عن جوهر النظام الجمهوري الأمريكي في مواجهة ما يصفه المحتجون بتآكل التوازن بين السلطات. ومع بدء الفعاليات في مدن الساحل الشرقي صباح السبت، يتابع الإعلام الأمريكي وعلى رأسه CNN مجريات الأحداث ميدانيًا، في وقت يتوقع فيه أن تتواصل المسيرات طوال اليوم عبر جميع الولايات الخمسين.
وباختصار، تمثل “لا للملوك” تعبيرًا عن رفض واسع لما يراه الملايين انحرافًا عن القيم الديمقراطية، ومحاولة لإعادة التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تُحكم بـ”الولاء للملك”، بل بإرادة الشعب وسيادة القانون.
اقرأ أيضًا:
اتفاق جديد يجنّب الولايات المتحدة الإغلاق الحكومي
الكونجرس يتجنّب الإغلاق الحكومي.. ما الإغلاق الأطول في تاريخ أمريكا؟
ماذا لو لم يمول الكونجرس الحكومة الفيدرالية؟ هذا ما سيترتب على الإغلاق