أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء السبت أن إسرائيل وافقت رسميًا على “الخط الأولي للانسحاب” من القطاع، ضمن خطة السلام الأمريكية التي تتألف من عشرين بندًا وتشمل مراحل متعددة لإعادة ترتيب الوضع الأمني والسياسي في غزة.
وقال ترامب في منشور نشره على منصته “تروث سوشيال” إن إسرائيل قبلت بالخطة الأمريكية التي تتضمن خطوطًا مبدئية للانسحاب، موضحًا أن وقف إطلاق النار سيُصبح نافذًا فور تأكيد حركة حماس موافقتها على الخط ذاته. وأضاف أن المرحلة التالية ستشهد بدء تبادل الرهائن والسجناء بين الجانبين، إلى جانب التمهيد لانسحاب أوسع من الأراضي التي لا تزال خاضعة للاحتلال داخل القطاع.
وأشار ترامب إلى أن هذه الخطوة تمثل البداية العملية لوقف شامل لإطلاق النار، وأن بلاده ستواصل الإشراف المباشر على تنفيذ الخطة بالتنسيق مع مصر والأطراف الإقليمية المعنية. ووفقًا للخريطة التي نشرها البيت الأبيض، فإن الانسحاب الأولي من شأنه أن يترك ما يقرب من خمسةٍ وخمسين في المئة من أراضي قطاع غزة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي مؤقتًا، تمهيدًا لانسحاب كامل لاحق مشروط بضمانات أمنية وإجراءات نزع السلاح.
بالتوازي مع ذلك، أعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي أن القاهرة ستستضيف يوم الاثنين المقبل محادثات غير مباشرة بين وفدي إسرائيل وحماس بهدف دفع خطة السلام الأمريكية قدمًا. وأوضحت أن الوفدين سيناقشان ترتيبات تبادل الأسرى، وضمانات وقف إطلاق النار، وجدول الانسحاب التدريجي من المناطق التي لا تزال تشهد وجودًا عسكريًا. وأضاف البيان أن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر سيشاركان في المفاوضات، تأكيدًا على الدور الأمريكي المباشر في رعاية الاتفاق وضمان تنفيذه.
وقالت الخارجية المصرية إن القاهرة “تأمل أن تشكل هذه الاجتماعات خطوة نحو إنهاء الحرب”، مشيرة إلى أن مصر ستواصل “جهودها لبناء الثقة بين الجانبين والبناء على الزخم الذي تحقق من خلال خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”. ولفت البيان إلى أن إنهاء الحرب واستعادة الاستقرار الإقليمي “لم يعد خيارًا بل ضرورة إنسانية وسياسية ملحّة”.
في إسرائيل، لاقت خطة ترامب دعمًا واضحًا من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي قال في منشور على منصة X إن “إسرائيل تقف أمام لحظة مفصلية وفرصة نادرة لتحقيق سلام واستعادة الرهائن”. وأضاف: “أشكر الرئيس ترامب على قيادته ووضوحه الأخلاقي في طرح خطة تقدم أملًا حقيقيًا للتغيير، وأدعم رئيس الوزراء نتنياهو في اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لتنفيذها”.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد بدأ مساء السبت خطابًا متلفزًا أعلن فيه أن “الضغوط الدبلوماسية والعسكرية المشتركة” هي التي دفعت حركة حماس إلى القبول المبدئي بخطة السلام الأمريكية. وقال نتنياهو إن حكومته ستعمل على “نزع سلاح حماس بالكامل” مضيفًا أن “نزع السلاح من غزة سيتم سواء بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة”. وشكر نتنياهو الرئيس الأمريكي على “دوره القيادي ومساعدته التاريخية”، مؤكدًا أنه وجّه فريق التفاوض الإسرائيلي إلى القاهرة لإنهاء التفاصيل الفنية المتعلقة بصفقة تبادل الرهائن تمهيدًا لوقف الحرب.
وأشار نتنياهو إلى أنه يأمل في إعادة جميع الرهائن المحتجزين في غزة خلال الأيام المقبلة، مؤكدًا أن بلاده “لن تخضع لأي إملاءات من حماس” وأن أمن إسرائيل “سيظل أولوية مطلقة”.
في المقابل، تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية انقسامات حادة داخل الائتلاف الحاكم. فقد استدعى نتنياهو وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى اجتماع طارئ بعد أن أعربا عن اعتراضهما على الاتفاق. ووصف سموتريتش قرار نتنياهو بوقف الهجوم بأنه “خاطئ وخطير”، بينما قال بن غفير إن “أي اتفاق يبقي حماس في السلطة بعد إطلاق الرهائن سيعني نهاية الحكومة الحالية”، في إشارة إلى احتمال تفكك الائتلاف اليميني.
وفي الشارع الإسرائيلي، خرج آلاف المتظاهرين إلى ساحة الرهائن في تل أبيب مساء السبت للمطالبة بالإسراع في إتمام صفقة التبادل وإنهاء الحرب. وحمل المشاركون صور الرهائن وأعلام إسرائيل، ورددوا هتافات تطالب بإعادتهم فورًا، فيما رفع آخرون لافتات كتب عليها “ترامب أنقذنا” و”أعيدوا الجميع الآن”. وألقى عدد من الرهائن السابقين كلمات أمام الحشود، من بينهم عمر شيم طوف الذي اختُطف من مهرجان نوفا عام 2023، وقال: “لقد تعبنا من القتال، نريد أن نعيش بسلام ونرى أحبّاءنا يعودون من غزة”.
وفي تصريحات لاحقة، كشف ترامب أنه تحدث مباشرة مع نتنياهو، وأبلغه بأنه “لا بديل عن الموافقة على خطة السلام”. وقال إن “حماس قطعت شوطًا كبيرًا وتريد إنهاء التفاصيل الأخيرة”، مضيفًا: “قلت لنتنياهو بوضوح: ليس لديك خيار معي سوى الموافقة. وأشار ترامب إلى أن هذه الخطة ستعيد القبول الدولي لإسرائيل وتفتح صفحة جديدة في الشرق الأوسط”. وانتقد ترامب ما وصفه بـ”المبالغة الإسرائيلية في العمليات العسكرية داخل غزة”، معتبرًا أن “الوقت حان لوقف الدمار وبناء الثقة من جديد”.
ويرى مراقبون أن إعلان إسرائيل موافقتها على الانسحاب يشكل التحول الأهم منذ اندلاع الحرب، وأن المحادثات التي تستضيفها القاهرة قد تكون الفرصة الأخيرة لتثبيت وقف إطلاق النار الشامل. لكن آخرين يحذرون من أن التنفيذ على الأرض قد يصطدم بعقبات سياسية وأمنية معقدة، خاصة في ظل الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية، والتخوف من فراغ أمني محتمل في غزة إذا ما تم الانسحاب دون ترتيبات واضحة.
اقرأ أيضًا:
ماذا لو رفضت حماس خطة ترامب بشأن غزة؟
البيت الأبيض يكشف النقاب عن خطة ترامب بشأن غزة
نتنياهو متحديًا الانسحابات في الأمم المتحدة: “سنكمل المهمة في غزة”