تترقب العاصمة البريطانية لندن، ومختلف الدوائر السياسية والإعلامية، الزيارة الرسمية المقبلة للرئيس الأمريكي ترامب، والمقرر أن تنطلق في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر الجاري.
وتُعد هذه الزيارة الثانية من نوعها، بعد الزيارة الأولى التي جرت في يونيو 2019 بدعوة من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية. ويرافق الرئيس الأمريكي السابق هذه المرة زوجته ميلانيا، في برنامج بروتوكولي مزدحم يجمع بين الطابع الاحتفالي التقليدي والمباحثات السياسية رفيعة المستوى.
تُعتبر زيارة الدولة إلى المملكة المتحدة أعلى أشكال الاستقبال الدبلوماسي، إذ يجري تنظيمها بدعوة شخصية من الملك بناءً على توصية مباشرة من الحكومة البريطانية. ويُخصص هذا النوع من الزيارات لرؤساء الدول، ويتميز بوجود مراسم عسكرية واستقبالات ملكية رسمية، إضافة إلى مأدبات تقليدية تعكس رمزية الدولة البريطانية.
وعلى الرغم من أن العرف الدبلوماسي لا ينص على دعوة الرؤساء الأمريكيين خلال ولايتهم الثانية لزيارة رسمية، فإن ترامب كسر هذه القاعدة. فقد أوصى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الملك تشارلز الثالث بدعوته، وذلك خلال اجتماع جرى في البيت الأبيض مطلع العام، وكان محور الحديث فيه اتفاق تجاري محتمل بين لندن وواشنطن. وقد وصفت رئاسة الوزراء حينها هذه الدعوة بأنها “غير مسبوقة وتاريخية بحق”، فيما اعتبر ترامب شخصيًا تلبيتها شرفًا كبيرًا له.
تحدد جدول الزيارة الرسمية بدقة، حيث من المنتظر أن يصل ترامب وزوجته إلى الأراضي البريطانية يوم الثلاثاء 16 سبتمبر، على أن يغادرا في مساء الخميس 18 سبتمبر. وسيكون مقر الإقامة الرئيسي قلعة وندسور التاريخية، التي ستشهد معظم المراسم والفعاليات، بما في ذلك العروض العسكرية واللقاءات الملكية. ويُذكر أن هذه الرحلة تأتي بعد شهرين فقط من زيارة خاصة قام بها الرئيس السابق إلى اسكتلندا، التقى خلالها عدداً من السياسيين وقام بجولات في ملاعب الغولف التي يمتلكها هناك.
منذ لحظة وصوله إلى مطار المملكة المتحدة، سيستقبل السفير الأمريكي وارن ستيفنز الرئيس ترامب وزوجته، قبل أن يتولى الفيكونت هود، ممثل الملك الرسمي، مرافقتهم إلى مقار الإقامة. وفي صباح الأربعاء، ستُجرى مراسم استقبال ملكي رسمي في قلعة وندسور، يحضرها ولي العهد الأمير وليام وزوجته أميرة ويلز، يلي ذلك لقاء مباشر مع الملك تشارلز والملكة كاميلا. وستشهد وندسور وبرج لندن إطلاق تحية ملكية بالمدافع، وهو تقليد ثابت خلال هذه المناسبات.
وبعد الاستقبال، يتوجه الرئيس ترامب إلى كنيسة القديس جورج في وندسور لوضع إكليل من الزهور على قبر الملكة إليزابيث الثانية. وسيعقب ذلك عرض جوي مشترك بمشاركة طائرات حربية بريطانية وأمريكية من طراز F-35 وفريق الاستعراض الجوي البريطاني الشهير “السهام الحمراء”. وفي مساء الأربعاء، ستُقام مأدبة عشاء ملكية رسمية في القلعة، يلقي خلالها الملك والرئيس خطابات تعكس أهمية العلاقات بين البلدين.
في يوم الخميس، من المقرر أن ينتقل ترامب إلى مقر رئيس الوزراء في تشيكرز، حيث يجتمع بكير ستارمر في جلسة مباحثات يتبعها مؤتمر صحفي مشترك. وسيتضمن البرنامج زيارة أرشيف السير ونستون تشرشل، رمز العلاقات التاريخية بين بريطانيا والولايات المتحدة. وفي حين ينشغل الرئيس بالشق السياسي، وستقوم ميلانيا ترامب بجولة خاصة داخل مكتبة وندسور الملكية للتعرف على نفائس المقتنيات، كما ستزور بيت الدمى الشهير للملكة ماري الذي صُمم في عشرينيات القرن الماضي. كذلك ستلتقي السيدة الأولى السابقة برفقة الأميرة كاثرين مع رئيس الكشافة البريطانية دواين فيلدز، في نشاط مجتمعي ضمن جدولها.
حتى الآن لم تُعلن كافة التفاصيل المتعلقة بالموكب الرئاسي أو المعدات المرافقة للوفد الأمريكي، لكن من المتوقع أن تكون مشابهة لما جرى في زيارة 2019. آنذاك، وصل الرئيس ترامب على متن الطائرة الرئاسية الخاصة “إير فورس وان”، بينما نُقلت سيارات الموكب، بما فيها الليموزينات المدرعة المعروفة باسم “الوحش”، عبر طائرات عسكرية أمريكية. وقد استدعت الزيارة الأولى نشر أكثر من 6300 شرطي بريطاني بتكلفة تجاوزت 3.4 مليون جنيه إسترليني لتأمين التحركات والفعاليات، وهو ما يُرجح تكراره أو حتى زيادته هذه المرة نظرًا لحجم التظاهرات المتوقعة.
وتستعد منظمات بريطانية عديدة لمواجهة الزيارة، أبرزها تحالف “أوقفوا ترامب” الذي دعا إلى تظاهرة مركزية في لندن يوم الأربعاء 17 سبتمبر، تحت شعار “ترامب غير مرحب به”. ووجّهت هذه المنظمات اتهامات مباشرة للرئيس الأمريكي السابق، شملت “الإنكار المتعمد لعلم المناخ” و”التقارب مع مجرمي الحرب في إسرائيل وروسيا ودول أخرى”. وخلال زيارة 2019، شهدت اسكتلندا مظاهرات مماثلة، حيث رفع المحتجون لافتات في أبردين وإدنبرة، كما تعرض ملعب الغولف المملوك لـ ترامب في تيرنبيري لمظاهرات لاذعة، شملت مظليًا حلق فوق المنتجع حاملاً لافتة معارضة. وفي السياق نفسه، أعلن زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي إد ديفي أنه سيقاطع مأدبة العشاء الملكية المقررة، حتى يتمكن من توجيه رسالة سياسية مرتبطة بالأزمة الإنسانية في غزة.
ومنذ تولي الملك تشارلز الثالث العرش في سبتمبر 2022، استقبل عددًا من القادة الدوليين عبر زيارات رسمية رفيعة المستوى. فقد استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو 2025، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في ديسمبر 2024، وكذلك الإمبراطور الياباني ناروهيتو وزوجته الإمبراطورة ماساكو في يونيو 2024، بالإضافة إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في نوفمبر 2023. كما قام الملك بنفسه برفقة الملكة كاميلا بجولات رسمية شملت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وكينيا وساموا. ومع الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب، تُضاف محطة جديدة إلى هذا السجل، لتجعلها واحدة من أبرز الزيارات الرسمية خلال السنوات الأخيرة.