في تصريح يعكس الشرخ المتزايد بين الحلفاء، خالف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مباشر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن حقيقة الأزمة الإنسانية في غزة. فبينما يصر نتنياهو على أنه “لا يوجد تجويع في غزة“، وأن المساعدات تدخل باستمرار، جاء رد ترامب بسيطًا وحاسمًا عند رؤيته صور الأطفال النحيلين، حيث قال: “هؤلاء الأطفال يبدون جائعين للغاية”. هذا التباين في المواقف بين واشنطن وتل أبيب يضع حقيقة المجاعة في غزة في دائرة الضوء، ويكشف عن عمق الكارثة التي تتجاوز أي رواية رسمية.
وتخوض سلطات الاحتلال حربًا كلامية لتفنيد حقيقة المجاعة، لكن الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية والمحلية ترسم صورة مختلفة تمامًا. ففي الوقت الذي يدعي فيه الاحتلال أن حملات المجاعة كاذبة، تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الوفيات المرتبطة بسوء التغذية في غزة ارتفعت هذا الشهر إلى 63 حالة، من بينها 24 طفلًا دون سن الخامسة. بل إن وزارة الصحة في غزة، التي تعتبرها الأمم المتحدة المصدر الأكثر موثوقية، تضع الرقم عند 82 حالة وفاة لنفس السبب.
وقد وصل الوضع إلى مستوى غير مسبوق، حيث أعلن مستشفى “أصدقاء المريض” عن تسجيل وفيات لأطفال بسبب سوء التغذية دون أن يكون لديهم أي أمراض سابقة. وتضاعف معدل سوء التغذية الحاد ثلاث مرات في شمال غزة هذا الشهر، مما يثبت أن الأزمة ليست مجرد ادعاءات، بل حقيقة موثقة بالأرقام والشهادات الطبية. إن ما يجري في غزة هو كارثة إنسانية تتكشف فصولها يومًا بعد يوم.
تحت وطأة الضغط الدولي الذي أثاره موقف الرئيس ترامب وغيره من القادة، أعلن الاحتلال عن إجراءات جديدة، بما في ذلك “هدن إنسانية” يومية لمدة عشر ساعات في مناطق مكتظة، وتنسيق لعمليات إنزال جوي للمساعدات. لكن هذه الإجراءات، التي تبدو إيجابية على الورق، أثبتت فشلها على أرض الواقع. فقد أفاد برنامج الغذاء العالمي بأن 55 شاحنة مساعدات تم نهبها من قبل حشود جائعة قبل أن تصل إلى وجهتها، حتى في ظل الهدنة المعلنة. أما الإنزال الجوي، فقد وصفه سكان غزة بأنه “إهانة للشعب الفلسطيني”، بالإضافة إلى كونه غير فعال وخطير.
ويصر الاحتلال على أن حماس هي التي تمنع وصول المساعدات، وتتهم عناصرها باختلاسها. لكن الأمم المتحدة تقدم رواية مختلفة تمامًا، مؤكدة أن النهب هو نتيجة مباشرة لليأس والجوع، وأنه يتوقف عندما تدخل كميات كافية من الإمدادات. والأخطر من ذلك، تقول الأمم المتحدة إن جيش الاحتلال يعيق أو يرفض أكثر من نصف طلباتها لنقل المساعدات داخل قطاع غزة، مما يجعل مهمة التوزيع شبه مستحيلة. ويضاف إلى ذلك استهداف الشرطة المدنية التي كانت تؤمن بعض القوافل، مما تركها عرضة للفوضى.