دخلت الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى هدنة في غزة منعطفًا حادًا، حيث أشار كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ما يشبه التخلي عن مسار المفاوضات. هذا التحول الدراماتيكي، الذي تجسد بانسحاب الوفدين الأمريكي والإسرائيلي من المحادثات في قطر، يترك الباب مفتوحاً أمام “خيارات بديلة” غامضة، ويزيد من تعقيد مستقبل غزة ووقف إطلاق النار في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الدولية من مجاعة جماعية تلوح في الأفق.
تبادل الاتهامات هو السمة الأبرز للمشهد الحالي. فقد أعلنت واشنطن وتل أبيب أن حركة حماس هي السبب المباشر في الجمود، حيث صرح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بأن رد الحركة الأخير “يُظهر بوضوح عدم رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار”. وقد تبنى الرئيس ترامب لهجة أكثر حدة، قائلاً للصحفيين: “حماس لم تكن ترغب حقًا في إبرام صفقة. أعتقد أنهم يريدون الموت.. ووصل الأمر إلى حد الاضطرار إلى إنهاء المهمة”.
في المقابل، أعربت حركة حماس عن “دهشتها” من التصريحات الأمريكية “السلبية”، مؤكدة أن مقترحها كان “بناءً” ويمكن أن يقود إلى اتفاق “إذا كان لدى العدو الإرادة للتوصل إليه”. وأضاف مسؤول كبير في الحركة أن الوسطاء أبلغوهم أن المفاوضات لم تنهار وأن الوفد الإسرائيلي قد يعود الأسبوع المقبل. هذا التباين في الروايات يلقي بظلال من الشك على حقيقة ما جرى خلف الأبواب المغلقة، ويعقد أي محاولة مستقبلية لإحياء محادثات غزة ووقف إطلاق النار.
كانت المفاوضات تتمحور حول اقتراح بهدنة لمدة 60 يومًا، تتضمن إطلاق سراح عدد من الرهائن الإسرائيليين الخمسين المتبقين مقابل سجناء فلسطينيين، مع السماح بدخول كميات أكبر من المساعدات. لكن المحادثات تعثرت عند نقاط خلاف جوهرية، أبرزها مدى انسحاب القوات الإسرائيلية، وتوزيع المساعدات، والأهم من ذلك، الحصول على ضمانات بأن الهدنة المؤقتة ستؤدي إلى نهاية دائمة للحرب، وهو ما تصر عليه حماس وترفضه إسرائيل. هذا الفشل في التوصل إلى اتفاق حول غزة ووقف إطلاق النار يثير قلقًا عميقًا لدى عائلات الرهائن، الذين نظموا مظاهرات حاشدة في تل أبيب، محذرين من أن كل يوم يمر يعرض حياة أحبائهم للخطر.
وتجري هذه المناورات الدبلوماسية على خلفية كارثة إنسانية تتفاقم بسرعة. منظمات الإغاثة الدولية تؤكد أن الجوع الجماعي أصبح واقعًا لسكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. وأعلنت السلطات الصحية عن وفاة العشرات بسبب سوء التغذية في الأسابيع الأخيرة، بينما حذرت وكالات الأمم المتحدة من نفاد إمدادات الأغذية العلاجية المخصصة للأطفال. وفي خضم هذه الأزمة، استمرت الهجمات الإسرائيلية، حيث أسفرت الغارات يوم الجمعة عن مقتل 21 شخصًا على الأقل، من بينهم الصحفي آدم أبو هربيد. إن هذه المأساة تبرز الحاجة الماسة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة ووقف إطلاق النار لأسباب إنسانية بحتة.
وأثار الحديث المتزامن من نتنياهو وترامب عن “خيارات بديلة” قلقًا بالغًا بشأن طبيعة المرحلة المقبلة. ويترافق هذا الغموض مع دعوات من وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل، مثل إيتمار بن جفير، إلى وقف كامل للمساعدات والاستيلاء على القطاع و”الإبادة الكاملة لحماس”. وفيما يبدو أن مسار الدبلوماسية الرسمي قد توقف، تزداد الضغوط الدولية، كما يتضح من إعلان فرنسا اعترافها بدولة فلسطينية، وهي خطوة أدانتها واشنطن وتل أبيب. ومع فشل المفاوضات، يبقى مستقبل غزة ووقف إطلاق النار معلقًا، وتظل الأزمة الإنسانية هي الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون. إن أي مسار لا يؤدي إلى غزة ووقف إطلاق النار يهدد بمزيد من المعاناة وعدم الاستقرار في المنطقة.