يوليو ١, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
نبوءات نهاية الزمان.. المحرك الخفي للصراع بين أمريكا وإيران

خلف التصريحات السياسية والتحركات العسكرية التي تشكل ملامح الصراع بين أمريكا وإيران، قد يكمن محرك خفي لا يظهر في نشرات الأخبار. إنه محرك لاهوتي قديم، يعمل بوقود من نبوءات نهاية الزمان، ويؤمن أتباعه بأن كل انفجار في الشرق الأوسط ليس إلا خطوة تقربهم من عودة المسيح المنتظرة، وأن صدام أمريكا وإيران الحالي ليس إلا تمهيدًا ضروريًا لتلك النهاية المجيدة التي طال انتظارها.

هذا البعد الديني، الذي لم يتم التطرق له بشكل كافٍ في التحليلات السائدة، قد يفسر بعض جوانب السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط، ويحول حرب أمريكا وإيران من مجرد صراع استراتيجي إلى معركة روحية في نظر الملايين من المؤيدين. ويحذر محللون من أن هذه المعتقدات اللاهوتية ليست مجرد أفكار مجردة، بل لها عواقب مباشرة وخطيرة على أرض الواقع، حيث يمكن أن تؤثر على قرارات تتعلق بالحرب والسلام، وتجعل من الدبلوماسية خيارًا ثانويًا أمام ما يُعتقد أنه “مخطط إلهي”.

ترامب وإسرائيل.. “المختار” والأمة “المختارة” 

بحسب تحليل نشرته شبكة CNN نقلًا عن الباحثة الدينية ديانا بتلر، تستند هذه الرؤية الدينية لـ صدام أمريكا وإيران إلى معتقدين أساسيين يمثلان حجر الزاوية في فكر القاعدة الإنجيلية للرئيس دونالد ترامب. الأول هو الإيمان بأن ترامب نفسه شخصية “اختارها” الله لأداء مهمة إلهية في “مثل هذا الوقت”. ويتعزز هذا الاعتقاد من خلال نجاته من محاولات اغتيال، وهو ما لا يُنظر إليه كضربة حظ، بل كدليل على وجود عناية إلهية تحميه لإتمام دوره. وقد انعكس هذا بوضوح في رسالة من الحاكم السابق مايك هاكابي، سفير ترامب لدى إسرائيل، أشار فيها إلى أن الله أبقى على حياة ترامب “ليكون الرئيس الأكثر أهمية في قرن”، مؤكدًا ثقته في حدس ترامب لأنه “يسمع من السماء”. هذا الإيمان يمنح قرارات الرئيس، بما فيها العسكرية، غطاءً من الشرعية الدينية في نظر أتباعه.

أما المعتقد الثاني، فهو أن دولة إسرائيل السياسية الحديثة “المزعومة” التي تأسست عام 1948، هي ذاتها إسرائيل التوراتية، وبالتالي فإن دعمها وحمايتها واجب ديني لا يقبل الجدال. ويستند هذا المعتقد إلى تفسير حرفي لآيات من الكتاب المقدس، أبرزها ما جاء في سفر التكوين 12:3 “أبارك مباركيكم، وألعن من يلعنكم”. تُفسر هذه الآية على أنها وصية إلهية أبدية لدعم إسرائيل بشكل غير مشروط، سياسيًا وعسكريًا. وقد عزز ترامب هذا التوجه خلال ولايته الأولى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي خطوة أثارت حماس القادة الإنجيليين الذين يرون في ازدهار إسرائيل وأمنها تحقيقًا مباشرًا للنبوءات التي تمهد لعودة المسيح الثانية.

كيف شكلت “التدبيرية” و”المتروكون” النظرة للصراع؟

تعود الأصول الفكرية لهذه النظرة إلى القرن التاسع عشر، مع ظهور لاهوت يُعرف بـ”التدبيرية” (Dispensationalism) على يد القس الأنجلو-إيرلندي جون نيلسون داربي. يقوم هذا اللاهوت على تقسيم التاريخ البشري إلى “تدبيرات” أو فترات زمنية متميزة، يتفاعل فيها الله مع البشرية بشكل مختلف، وصولًا إلى نهاية عنيفة للعالم تسبقها فترة من “المحنة العظيمة”. ومن أهم معتقدات هذا التيار فكرة “الاختطاف” (The Rapture)، وهي لحظة يُرفع فيها المسيحيون المؤمنون فجأة إلى السماء، ليتركوا العالم يواجه الكوارث والحروب.

ورغم أن هذه الأفكار ظلت لسنوات ضمن دوائر لاهوتية متخصصة، إلا أنها شهدت انتشارًا جماهيريًا هائلاً في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية بفضل سلسلة الكتب والأفلام الشهيرة “المتروكون” (Left Behind). هذه السلسلة، التي باعت أكثر من 65 مليون نسخة، حولت المفاهيم اللاهوتية المعقدة إلى قصة مثيرة ومؤثرة عن نهاية العالم، ورسخت في أذهان الملايين من الإنجيليين فكرة أن الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، وخاصة ما يتعلق بإسرائيل، هي جزء من سيناريو إلهي مكتوب سلفًا.

 صدام أمريكا وإيران خطوة ضرورية!

يكمن الخطر الأكبر في هذا النظام العقائدي في أنه لا يرى في الحرب مأساة يجب تجنبها، بل حدثًا ضروريًا ومرحبًا به. وتشير باس إلى وجود ما يشبه “الحماس الروحي” للحرب في الشرق الأوسط لدى هذه المجموعات. فهم يعتقدون أن حرب أمريكا وإيران، أو أي صراع كبير آخر تكون إسرائيل طرفًا فيه، هو بالضبط ما تنبأ به الكتاب المقدس، وأنه سيطلق سلسلة من الأحداث الكارثية التي ستبشر في النهاية بالمجيء الثاني للمسيح.

وفقًا لهذا اللاهوت، كلما ساءت الأمور على الأرض، وكلما زاد الدمار، كان ذلك علامة على أن الخلاص الإلهي وعودة المسيح باتا أقرب. وهذا المنطق، كما تقول باس، “لا يقدم أي حافز لزعيم سياسي أو ديني لتجنب الحرب”، بل قد يدفعه إلى تصعيدها، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الخطة الإلهية التي لا يمكن لأحد أن يقف في طريقها.

ويحذر مؤرخون وعلماء دين، مثل جيمار تيسبي، من المخاطر الجسيمة لدمج هذه المعتقدات اللاهوتية بالسياسة الخارجية. ويرى تيسبي أن الخلط بين دولة إسرائيل السياسية الحديثة المزعومة ومملكة إسرائيل التوراتية يؤدي إلى “دعم غير نقدي وغير مشروط” لأي طرف سياسي، ويخلق حالة من “العمى الأخلاقي” تجاه قضايا حقوق الإنسان والعدالة، وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني. كما أن اعتبار زعيم سياسي “مختارًا من الله” ويتحرك وفقًا لنبوءات إلهية، يلغي أي مجال للنقاش أو النقد الديمقراطي. فقراراته تصبح “إلهية” ومحصنة ضد التشكيك، وهذا يشكل خطرًا داهمًا على أسس الديمقراطية نفسها. وتصف باس لاهوت “الاختطاف” بأنه “لاهوت مخترع بالكامل” وأحد “أكثر البدع نجاحًا في تاريخ المسيحية”.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

أيهما أقل.. أسعار تذاكر الخطوط الأجنبية أم الخطوط السعودية؟

المقالة التالية

غدًا بدء تطبيق أحكام نظام التأمينات الاجتماعية للمشتركين الجدد