تشهد الشركات في مختلف أنحاء العالم ضغوطًا متزايدة نتيجة اعتمادها السريع على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أظهرت بيانات حديثة أن أكثر من نصف الشركات قد واجهت عواقب سلبية ناتجة عن مخاطر الذكاء الاصطناعي مرة واحدة على الأقل. هذه النتائج تضع في بؤرة الاهتمام ضرورة فهم المخاطر المرتبطة بهذه التكنولوجيا وكيفية إدارتها بشكل فعال لضمان استمرار الأعمال وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
أكبر مخاطر الذكاء الاصطناعي
أكبر المخاطر التي تواجه الشركات وفقًا لمسح أجرته شركة McKinsey، وشمل 1,753 مشاركًا خلال الفترة من 25 يونيو إلى 29 يوليو 2025، تتعلق بالدقة المنخفضة لمخرجات الذكاء الاصطناعي. فقد أفادت نحو ثلث الشركات (30%) بأنها تعرضت لعواقب سلبية بسبب عدم الدقة مرة واحدة على الأقل، ما يجعلها القضية الأكثر تأثيرًا بين المخاطر المرتبطة بهذه التقنية. عدم الدقة يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة، وتأثير سلبي على العمليات التشغيلية، وحتى فقدان الثقة لدى العملاء والمستثمرين.
تأتي بعد ذلك صعوبة الشرح والتفسير، أي قدرة الأفراد على فهم كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي أثرت على 14% من الشركات، وهو ما يمثل نصف عدد الشركات مقارنة بمشكلة الدقة. هذه الصعوبة تعكس تحديًا جوهريًا، حيث يصبح من الصعب على الفرق الإدارية والمستخدمين فهم كيفية توليد القرارات أو التوصيات، مما يزيد من احتمالية الاعتماد على نتائج غير دقيقة أو غير مفهومة. بالإضافة إلى ذلك، تمثل الخصوصية الفردية وتأمين البيانات مصدر قلق لنحو 11% من الشركات، في حين أشار 10% منها إلى مخاطر مرتبطة بالأمن السيبراني، وهو ما يؤكد أن حماية المعلومات الشخصية وحماية البيانات الحساسة أصبحت من أهم أولويات الشركات في عصر الذكاء الاصطناعي.
تشمل المخاطر الأخرى، الأقل انتشارًا لكنها لا تقل أهمية، الامتثال التنظيمي وانتهاك الملكية الفكرية بنسبة 8% لكل منهما، وإجراءات غير مصرح بها أو غير مقصودة، والعدالة والمساواة بنسبة 7% لكل منهما، وتأثير الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة بنسبة 6%. هذه المخاطر توضح مدى التعقيد الذي تواجهه الشركات عند محاولة دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية، حيث يمتد التأثير ليشمل الجوانب القانونية والأخلاقية والإنسانية.
اتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة
تشير الدراسات إلى أن الأخطاء الناتجة عن الذكاء الاصطناعي قد تكون لها تأثيرات أوسع وأعمق من مجرد خلل تقني. فقد تؤدي هذه الأخطاء إلى تقويض الثقة في الأنظمة الذكية، التأثير على الكفاءة التشغيلية، واتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة قد تكلف الشركات ملايين الدولارات. وغالبًا ما تتضاعف هذه الأضرار عندما تنتشر الأخطاء عبر سلسلة العمليات، ما يزيد من احتمالية وقوع تبعات قانونية. فقد أشار خبراء كلية هارفارد للقانون إلى أن شركات التأمين بدأت في إضافة قيود أو استثناءات لتغطية الخسائر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مما قد يترك المديرين والمسؤولين بدون حماية قانونية في حال حدوث أخطاء.
خطوات مستقبلية للقادة
في مواجهة هذه المخاطر، بدأت العديد من الشركات باتخاذ خطوات عملية للحد من الأخطاء المحتملة. حيث أفادت 54% من الشركات بأنها تعمل بنشاط على تقليل المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الخطوات مراجعة مخرجات الأنظمة الذكية من قبل العنصر البشري قبل اعتمادها في اتخاذ القرارات النهائية، لضمان أن تكون النتائج أكثر أمانًا وموثوقية. كما يمكن للقادة تعزيز ثقافة الشفافية والتدريب المستمر للفرق العاملة على فهم تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تقليل الاعتماد على مخرجات غير دقيقة ويزيد من قدرة الشركات على التكيف مع التغيرات.
يبقى الذكاء الاصطناعي قوة محورية في تحويل الأعمال وزيادة الإنتاجية، لكنه يأتي مع مجموعة من المخاطر التي لا يمكن تجاهلها. وبالنظر إلى هذه البيانات، يصبح من الواضح أن على القادة والمخططين الاستراتيجيين التركيز على تطوير سياسات واضحة لإدارة المخاطر، والاستثمار في التدريب والمراجعة البشرية، وضمان الامتثال للمعايير القانونية والأخلاقية، لضمان أن تكون نتائج الذكاء الاصطناعي أداة للتقدم وليس مصدرًا للمشكلات.
تظهر هذه البيانات أن إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي ليست مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة استراتيجية للشركات التي ترغب في الحفاظ على موثوقيتها وكفاءتها واستدامتها في عصر التحولات الرقمية المتسارعة. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز الابتكار، فإن الفشل في إدارة مخاطره قد يؤدي إلى تبعات مالية وقانونية وأخلاقية جسيمة، ما يجعل من إدارة هذه التقنية مسؤولية حيوية لكل مؤسسة تطمح إلى النجاح في المستقبل القريب.
