تشهد الرواية السعودية في السنوات الأخيرة مرحلة نضج لافت وازدهار نوعي غير مسبوق، وهو ما تعكسه المؤشرات والأرقام الواردة في تقرير الحالة الثقافية لعام 2024م الصادر عن وزارة الثقافة. فالمشهد الأدبي السعودي يعيش حراكًا متسارعًا في الكتابة والنشر، مدفوعًا باتساع دائرة القرّاء، وتزايد اهتمام المؤسسات الثقافية بدعم المؤلفين، في وقت يتزامن هذا الحضور القوي مع الاحتفاء باليوم العالمي للرواية العربية الذي يصادف الثاني عشر من أكتوبر من كل عام.
ويأتي اليوم العالمي للرواية العربية، الذي أقرّه مجلس وزراء الثقافة العرب عام 2016م، في إطار الجهود التي تبذلها اليونسكو والمنظمات الثقافية العربية لإبراز دور الأدب في إثراء التنوع الإنساني. وتنطلق فعاليات أسبوع الرواية العالمي سنويًا في الثالث عشر من أكتوبر، ليشكل مناسبة للاحتفاء بالكتابة السردية في مختلف الدول العربية. وفي المملكة، تفاعلت الجمعيات والمراكز الأدبية مع هذه المناسبة عبر فعاليات وندوات نقدية تناولت تطور الرواية السعودية ومساراتها الجديدة.
وأعلنت “جمعية الأدب المهنية” عن تنظيم ثماني فعاليات في عدد من المدن، من بينها الرياض وجدة ومكة والطائف والقصيم وجازان والدمام والحدود الشمالية، حملت عناوين متنوعة مثل “الرواية السعودية.. حكايتنا للعالم”، و“الحياة السرية للرواية”، و“الكثافة والامتداد في السرد الروائي”، و“التجربة الروائية بين الرجل والمرأة”. وجاءت هذه الأنشطة لتؤكد تنامي الاهتمام العام بالرواية بوصفها مرآة لتحولات المجتمع ومجالًا خصبًا للتعبير عن التجربة الإنسانية في أبعادها المختلفة.
يشير التقرير إلى أن العام 2024م شهد صدور 218 رواية لمؤلفين سعوديين، أي بزيادة بلغت 20٪ مقارنة بالعام السابق، وهو رقم يعكس تصاعد وتيرة الإنتاج الأدبي واستمرار النمو في حركة النشر. هذا الارتفاع لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة بيئة ثقافية داعمة أسستها وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة عبر مبادرات التدريب والتمويل والترجمة، فضلًا عن الجوائز والمهرجانات التي تحفّز الكتّاب وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة للتجريب والتفرّد. كما أوضح التقرير أن إجمالي الإصدارات الأدبية في المملكة خلال العام ذاته بلغ 509 إصدارات، مقابل 523 في 2023م، مع تصدّر الرواية واجهة المشهد بوصفها الجنس الأدبي الأكثر حضورًا واهتمامًا.
ومن أبرز ما رصده التقرير توسّع حركة الترجمة في المملكة ضمن مبادرة “ترجم”، إذ بلغ عدد الأعمال المترجمة خلال عام 2024م نحو 380 عملًا تنوّعت بين الأدب والفلسفة والسير الذاتية وكتب التطوير. هذا الزخم يؤكد عمق الانفتاح الثقافي السعودي على العالم، ورغبة المؤسسات المعنية في تعزيز حضور الأدب المحلي بلغات أخرى وإثراء التبادل المعرفي. كما أبرز التقرير الدور الذي لعبته الجوائز الأدبية والبرامج الأكاديمية في ترسيخ مكانة الرواية السعودية، حيث باتت تُدرّس وتُحلّل في عدد من الجامعات المحلية والعربية، ما أسهم في تطوير الخطاب السردي ودراسة مراحله التاريخية منذ نشأته في خمسينيات القرن الماضي وحتى تحوّلاته المعاصرة التي تواكب روح رؤية المملكة 2030 وتستكشف صلته بالهوية والمكان والتحولات الاجتماعية.
ويجمع النقاد والكتّاب على أن هذا الازدهار السردي ليس حدثًا عابرًا، بل هو ثمرة حراك ثقافي متكامل تقوده مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة. فالرواية السعودية اليوم باتت تعبّر عن روح المرحلة، وتقدّم صورة نابضة لتنوع المجتمع السعودي وثرائه الإنساني، كما أصبحت أحد أبرز الجسور التي تصل الأدب المحلي بالمشهدين العربي والعالمي، لتؤكد أن السرد السعودي يكتب فصله الذهبي في تاريخ الأدب العربي المعاصر.
اقرأ أيضًا:
مبادرة لتحويل الرواية السعودية إلى سينما.. 25 عملاً في القائمة الطويلة
الرواية التي تنبأت بغرق “تيتانيك” قبل الكارثة بـ 14 عامًا
إنفوجرافيك| إكسبو الرياض 2030.. فرصة لرواية السردية السعودية عالميًا