يعد الأخطبوط أحد أكثر الكائنات البحرية إثارة للدهشة والغموض في عالم المحيطات، فهو ليس مجرد حيوان بحري، بل هو لغز بيولوجي يجمع بين الذكاء الفائق والتركيب الجسدي الفريد الذي يميزه عن سائر المخلوقات، من دمائه الزرقاء وقلوبه الثلاثة إلى قدرته المذهلة على التخفي وحل المشكلات.
وينتمي هذا الكائن إلى فئة الرخويات رأسيات الأرجل، وتوجد منه أكثر من 300 فصيلة مختلفة تنتشر في جميع محيطات العالم، من المياه الاستوائية الضحلة إلى أعماق البحار السحيقة، ولكل منها خصائصها التي تزيد من سحر هذا المخلوق العجيب.
يتميز الأخطبوط بتركيبة جسدية لا مثيل لها، فجسمه يخلو تمامًا من العظام، وتشكل العضلات نحو 90% من كتلته، مما يمنحه مرونة فائقة تسمح له بالعبور من أضيق الشقوق والفتحات.
ويدعم هذه القدرات الفريدة جهاز دوري معقد يتكون من ثلاثة قلوب؛ اثنان منها يضخان الدم إلى الخياشيم، بينما يتولى القلب الثالث الأكبر حجمًا ضخ الدم المؤكسج إلى بقية أعضاء الجسم.
ويجري في عروق الأخطبوط دماء زرقاء اللون، ويرجع ذلك إلى احتوائها على بروتين “الهيموسيانين” الغني بالنحاس بدلًا من الحديد الموجود في دم الإنسان، وتُعد هذه الخاصية أكثر كفاءة في نقل الأكسجين في بيئات المحيط الباردة ومنخفضة الأكسجين.
وربما تكون أذرعه الثمانية هي السمة الأكثر شهرة، ولكنها علميًا تصنف كأذرع وليست مجسات، لأنها مغطاة بالممصات على طولها بالكامل، بينما تقتصر الممصات في المجسات على الأطراف فقط.
وتتمتع هذه الأذرع بذكاء شبه مستقل، حيث يحتوي كل ذراع على شبكة عصبية خاصة به تسمح له بالحركة واتخاذ قرارات بسيطة دون الرجوع إلى الدماغ المركزي.
ويظهر الأخطبوط سلوكيات تدل على مستوى عال من الذكاء، فهو قادر على حل الألغاز المعقدة، واستخدام الأدوات مثل قشور جوز الهند للاختباء، والتعلم من خلال الملاحظة، كما أنه سيد التخفي في عالم البحار، حيث يمكنه تغيير لون جلده وملمسه في أجزاء من الثانية بفضل خلايا متخصصة تُعرف بحاملات اللون، مما يسمح له بالاندماج التام مع محيطه لتجنب الحيوانات المفترسة أو مباغتة فرائسه.
وعلى صعيد التكاثر، تظهر بعض أنواع الأخطبوط تفاوتاً هائلاً في الحجم بين الجنسين، فأنثى أخطبوط البطانية قد تكون أكبر من الذكر بنحو 40 مرة طولًا.
كما سُجلت أطول فترة حضانة للبيض في مملكة الحيوان لدى أحد أنواع الأخطبوط في أعماق البحار، حيث بقيت الأنثى ترعى بيضها دون أن تغادره أو تأكل لمدة 53 شهرًا أكثر من 4 سنوات، وهي تضحية تنتهي بموتها بعد فقس الصغار مباشرة.
ومن الحقائق الصادمة أن جميع أنواع الأخطبوط بلا استثناء سامة، حيث يحتوي لعابها على سموم تستخدمها لشل حركة فرائسها، وتتفاوت قوة هذا السم بشكل كبير، ليصل إلى ذروته في الأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء الذي يُعد سمه أقوى من سم السيانيد بألف مرة.