في عام 2024، شهد مشهد خلق الثروات العالمية تحولًا ملحوظًا. فقد تفوقت الصناعات التقليدية في خلق المليارديرات الجدد، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تظل أكبر مركز للمليارديرات، حيث تستضيف 30% منهم وتستحوذ على 40% من ثرواتهم، فإن محركات الثروات الجديدة بدأت تتغير. على مدار العقد الماضي، تفوق قطاع التصنيع على كل من التكنولوجيا والمال في إنتاج المليارديرات الجدد، وذلك بفضل الطفرة الصناعية التي شهدتها الصين. يُعد هذا التحول بمثابة تطور كبير في المكان الذي يتم فيه توليد القيمة العالمية، وأين يجب على المستثمرين التوجه في المستقبل.
تكشف البيانات أن قطاع التصنيع شهد توليد 509 مليارديرًا منذ عام 2014، ليكون بذلك أكبر قطاع في خلق الثروات بين جميع الصناعات. بينما جاء قطاع التقنية في المرتبة الثانية بإنتاج 443 مليارديرًا، ورغم أن التقنية تهيمن على الحصة الأكبر من ثروات المليارديرات بقيمة 2.6 تريليون دولار، إلا أن وتيرة خلق الثروات الجديدة في هذا القطاع بدأت في التباطؤ. في المقابل، قطاع التمويل والاستثمار شهد توليد 353 مليارديرًا، مما يعكس القوة الكبيرة للأسواق المالية في تشكيل الثروات.
أما قطاع الرعاية الصحية، فقد تمكّن من خلق 284 مليارديرًا، ما يبرز دور الابتكارات الطبية والتقنية في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، لا يزال قطاع المواد الغذائية والمشروبات يولد الثروات، حيث بلغ عدد المليارديرات في هذا القطاع 277 مليارديرًا.
بالنسبة للمستثمرين، فإن هذه التغيرات تمثل فرصة للنظر بعيدًا عن فقاعة التكنولوجيا والتركيز على قطاعات مثل الأتمتة، والمواد المتقدمة، وإعادة بناء سلاسل الإمداد. الطلب على الأنظمة الصناعية المستدامة والفعالة في الإنتاج في تزايد مستمر، مما يجعلها سوقًا واعدة للمستثمرين في المستقبل.
تشهد فئة المليارديرات أيضًا تحولًا ديموغرافيًا. ورغم أن الرجال كبار السن لا يزالون يهيمنون على معظم المليارديرات بمتوسط عمر 65.7 عامًا، حيث يمثلون 87% من هذه الفئة، فإن الجيل الجديد من المليارديرات يتسم بالحداثة والتنوع، مع تزايد نسبة النساء. من بين المليارديرات الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، يوجد ما يقرب من نصفهم من النساء. هذه التغيرات تعكس تحولات أكبر في سلوك المستهلك، والأهداف الخيرية، وأنماط الاستثمار.
بالنسبة للمستثمرين، فإن هذا التحول الديموغرافي يحمل أهمية كبيرة. من المرجح أن تصبح أسواق رأس المال الخاصة، والاستثمار في البنية التحتية المستدامة، والأسواق العالمية الناشئة هي المجالات الأكثر جذبًا للمستثمرين. حيث أن الثروات تتحرك بعيدًا عن الأسهم العامة التقليدية نحو القطاعات التي تجمع بين الابتكار والالتزام بالمهمة الاجتماعية.
تعتبر الآثار البيئية لهذا التحول في خلق الثروات أمرًا بالغ الأهمية. فإن تصاعد ثروات التصنيع، لا سيما في مناطق مثل الصين، يثير القلق بشأن الاستدامة. ومع ذلك، فإن هذه الثروات توفر أيضًا رأس المال اللازم لتوسيع نطاق التقنيات الخضراء ومكافحة تغير المناخ. في الوقت نفسه، يدفع المليارديرات الأصغر سنًا، الذين يهتمون بشكل متزايد بالقضايا البيئية، نحو المزيد من الاستثمارات الموجهة نحو المناخ، حتى مع تباطؤ الزخم في السياسة الأمريكية للطاقة النظيفة.
هذه التوجهات تخلق مشهدًا مستدامًا متشابكًا على المستوى العالمي، حيث من المرجح أن يتولى رأس المال الخاص القيادة في جهود إزالة الكربون. نظرًا لأن الحكومات قد تكافح لتطبيق سياسات شاملة، فإن الابتكار في القطاع الخاص قد يصبح العامل الرئيسي في تحقيق النمو المستدام. بالنسبة للمستثمرين، يجب التركيز على الفرص في القطاعات التي تركز على المبادئ البيئية والاجتماعية والحكومية، خاصة في الأسواق الناشئة التي يشهد فيها الطلب على الحلول الخضراء نموًا ملحوظًا.
إن الديناميكيات المتغيرة في خلق الثروات العالمية، المدفوعة بالتطور في التصنيع، والتحولات الديموغرافية، والتركيز على الاستدامة، تقدم فرصًا ومخاطر كبيرة للمستثمرين. في حين أن قطاع التكنولوجيا قد لا يولد الثروات بنفس السرعة التي كانت عليه في السابق، فإن القطاعات الأخرى مثل التصنيع، والتقنيات الخضراء، والإنتاج المستدام تزداد قوتها. يجب على المستثمرين البقاء على دراية بهذه التحولات الهيكلية في خلق الثروات على مستوى العالم. سيكون من الضروري التركيز على القطاعات التي تتمتع بفرص نمو كبيرة، مع التأكيد على الابتكار والاستدامة. مشهد الثروات العالمية في تحول مستمر، ومن يستطيع التكيف مع هذه التغيرات سيكون في موقع قوي لقيادة موجة جديدة من خلق الثروات.