أثارت البكتيريا الزائفة الزنجارية الجدل منذ أمس في الداخل اللبناني، بعد أن أصدرت وزارة الصحة البنانية قرارًا بوقف توزيع مياه شركة “تنورين” وإلزامها بسحب الكميات المطروحة في الأسواق خلال ثلاثة أيام، مع منع طرح أي دفعات جديدة قبل الحصول على موافقة رسمية من الوزير.
وجاء القرار بعد أن أظهرت الفحوص المخبرية أن بعض العينات لا تتوافق مع المعايير الصحية نتيجة احتوائها على بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa)، وفق ما أكدته فرق المراقبة الوبائية التابعة للوزارة.
وأثار القرار جدلًا في الأسواق، خصوصًا بعد أن نفت الشركة المنتجة ما ورد في بيان الوزارة، مشيرة إلى أن نتائج الفحوص التي أجرتها تؤكد سلامة منتجاتها. غير أن مصادر في وزارة الصحة أوضحت أن هذه النتائج تخص عينات مختلفة عن تلك التي تبيّن تلوثها، مؤكدة أن التلوث لا يشمل جميع العبوات، لكنه موجود في جزء منها، ما يستدعي سحبها فورًا حمايةً للمستهلكين.
الزائفة الزنجارية هي نوع من البكتيريا سالبة الجرام واسعة الانتشار في الطبيعة، وتوجد عادة في الماء، والتربة، وعلى الأسطح الرطبة كالأحواض وأنظمة الصرف وأجهزة تنقية المياه. كما يمكن أن تستقر على الجلد دون أن تُسبب مرضًا واضحًا، فيما يُعرف بـ”الاستعمار البكتيري”. وتُعد هذه البكتيريا من الكائنات القادرة على البقاء في ظروف بيئية قاسية، إذ تستطيع تكوين أغشية حيوية تحميها داخل الأنابيب والفلاتر، كما تتميز بقدرتها على مقاومة المطهرات والمضادات الحيوية التقليدية. ولهذا السبب تُعد الزائفة الزنجارية من أكثر مسببات العدوى تعقيدًا داخل المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية.
وتحدث العدوى عندما تدخل البكتيريا إلى الجسم من خلال الجروح، أو القساطر البولية، أو أجهزة التنفس الصناعي، أو عند ملامسة مياه أو أسطح ملوثة. وتتنوع أماكن الإصابة لتشمل الدم، الرئتين، الجلد، المسالك البولية، العينين، الأذن، أو الجهاز الهضمي. وتُعد العدوى الخطيرة أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين يعانون من ضعف في المناعة مثل مرضى السرطان، والسكري، وتليف الكبد والكلى، والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، أو من خضعوا لعمليات جراحية وزراعة أعضاء. كما تُعتبر الحروق الواسعة من أكثر الحالات التي تزيد خطر الإصابة بها، نظرًا لتضرر الحاجز الجلدي الواقي.
تختلف الأعراض بحسب العضو المصاب. فعند وصول البكتيريا إلى الدم، قد يعاني المريض من حمى، قشعريرة، تعب شديد، وآلام في العضلات والمفاصل، وقد ينخفض ضغط الدم في الحالات الحادة. أما في عدوى الرئة، فتظهر أعراض مثل السعال وضيق التنفس والحمى، بينما تسبب العدوى الجلدية احمرارًا، وتقرحات مليئة بالصديد، أو جروحًا تفرز سوائل برائحة غير معتادة.
وفي حال إصابة الأذن، تظهر آلام شديدة مع إفرازات وتراجع في السمع، أما التهابات العين فقد تؤدي إلى احمرار وتورم وضعف في الرؤية. كما قد تُسبب التهابات الجهاز الهضمي غثيانًا وإسهالًا وصداعًا، وعدوى المسالك البولية تؤدي إلى حرقة وألم أثناء التبول وزيادة في عدد مرات الذهاب إلى الحمام.
وفي الأشخاص الأصحاء، نادرًا ما تشكل الزائفة الزنجارية خطرًا كبيرًا، لكن العدوى بها قد تكون قاتلة لدى المرضى ضعيفي المناعة أو في حال انتشارها في مجرى الدم مسببة الإنتان، وهي حالة خطيرة يهاجم فيها الجهاز المناعي أنسجة الجسم السليمة. وتُشير الدراسات إلى أن هذه البكتيريا تُعد من أكثر الأسباب شيوعًا للإنتان لدى مرضى الحروق الشديدة. كما أظهرت الإحصاءات الطبية أن آلاف الإصابات تُسجل سنويًا، خصوصًا في وحدات العناية المركزة، وأن بعض السلالات طورت مقاومة شبه كاملة لمعظم المضادات الحيوية.
يعتمد تشخيص العدوى على تقييم الأعراض والفحص السريري، إلى جانب تحاليل مخبرية لعَيِّنات من سوائل الجسم (كالدم أو البول أو البلغم). وقد يلجأ الأطباء إلى الفحوص التصويرية مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي لتحديد أماكن الالتهاب، إضافة إلى اختبارات حساسية المضادات الحيوية لتحديد نوع الدواء الأكثر فاعلية.
ويعتمد العلاج الأساسي على المضادات الحيوية المتخصصة، وغالبًا ما يحتاج المريض إلى أكثر من نوع واحد يُعطى فمويًا أو عبر الوريد، مثل سيبروفلوكساسين، سيفتازيديم، جنتاميسين، أو الكاربابينيمات. ومع ذلك، تُعرف الزائفة الزنجارية بقدرتها على تطوير مقاومة سريعة للأدوية، ما يجعل بعض العلاجات التقليدية غير فعالة. وتُعد السلالات المقاومة للكاربابينيم (CRPA) من أخطر الأنواع، إذ تنتج إنزيمات تُعطل فعالية هذا النوع من المضادات، مما يحد من الخيارات العلاجية المتاحة.
وتتوقف نتائج العلاج على الحالة الصحية العامة للمريض وشدة العدوى. فالأشخاص الأصحاء غالبًا ما يتعافون خلال أيام قليلة من بدء العلاج، بينما قد يستغرق التعافي من الحالات المعقدة أسابيع أو أشهر. وتشير الدراسات إلى أن معدلات النجاة تتراوح بين 40% و80%، اعتمادًا على شدة العدوى واستجابة المريض للعلاج.
ويمكن الحد من خطر الإصابة من خلال اتباع إجراءات صارمة للنظافة الشخصية والعامة وهي:
اقرأ أيضًا:
كيف تصل بكتيريا الإشريكية القولونية إلى غذائنا؟
فنجان القهوة قد يقوّي البكتيريا ضد المضادات الحيوية