لم يعد الإحباط مجرد حالة نفسية عابرة، بل أصبح سمة بارزة في حياتنا اليومية، من أبسط المواقف مثل تعطل الهاتف أو انقطاع الإنترنت، إلى التحديات الأكبر في العمل والعلاقات. ورغم أن كثيرين يقللون من شأنه مقارنة بالقلق أو الاكتئاب، إلا أن خبراء علم النفس يرون أنه شعور مؤثر يتغلغل في عقولنا وأجسادنا، فيزيد من حدة التوتر ويضعف قدرتنا على التكيف مع الضغوط.
تقول أوديليا لاسيول، الأستاذة المساعدة في علم النفس التنموي بجامعة أوتريخت في هولندا، إن الإحباط هو الشعور الأكثر انتشارًا في بيئات العمل، وتشير الدراسات الحديثة إلى أنه يلعب دورًا أساسيًا في الطريقة التي نتعلم بها، ونتكيف مع الضغوط، وننمو على المستويين الشخصي والمهني.
ومن ناحية إيجابية غير متوقعة عن تأثير الإحباط، توضح أيليت فيشباخ، أستاذة العلوم السلوكية والتسويق بجامعة شيكاغو، أن وجود الإحباط له وظيفة مهمة؛ فهو يختلف عن الغضب الذي يوجَّه عادةً نحو سبب خارجي، وعن التوتر الناتج عن كثرة المطالب، لأنه ببساطة إشارة بأن الأمور لا تسير كما خُطط لها. وتضيف: “الإحباط في جوهره دعوة لإعادة تقييم الأهداف والتفكير في طرق بديلة لتحقيقها”.
ومن جانبها توضح هيلينا غونزاليس غوميز، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية نيوما للأعمال بفرنسا، أن لحظة إعادة التقييم التي يفرضها الإحباط قد تصبح نقطة تحول إيجابية؛ فهي تعزز التركيز وتدعم المثابرة، وقد تفتح الطريق نحو نتائج أفضل.
وتُظهر الأبحاث أن الطلاب الذين يواجهون مواقف مُحبِطة ويفشلون فيها، غالبًا ما يحققون أداءً أقوى لاحقًا في مهام حل المشكلات، مضيفة “عندما يتعثر مطوّر مثلًا في برمجة معينة، قد يجد مخرجًا مبتكرًا أو طريقًا مختصرًا يجعل البرنامج أكثر كفاءة. وهذا لا يغذي الإبداع فحسب، بل ينعكس أيضًا على الصحة النفسية على المدى الطويل”.
يكشف علماء الأعصاب أن الدماغ يتعامل مع الإحباط كما لو كان يواجه تهديدًا مباشرًا، فعندما يُعرقل تحقيق هدف ما، تنشط اللوزة الدماغية التي تُطلق إشارات لتحفيز استجابة “القتال أو الهروب”، ما يؤدي إلى إفراز الكورتيزول وهرمونات التوتر الأخرى. وفي المقابل، يتراجع نشاط القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن التخطيط وضبط المشاعر، وهو ما يفسر اندفاعنا أو انفعالنا في مثل هذه اللحظات.
وتشير دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي إلى أن الألم العاطفي يُعالج في الدماغ بآليات مشابهة للألم الجسدي، غير أن ما يميز الإحباط هو ارتباطه المباشر بعرقلة الأهداف، مما يجعل دوائر المكافأة العصبية عنصرًا رئيسيًا في تشكيل استجابتنا له.
كما تشير الأبحاث إلى أن الإحباط يضعف دوائر المكافأة في الدماغ، فينخفض مستوى الدوبامين ويزداد الكورتيزول، ما يفتح الباب أمام القلق والتوتر والعدوانية. ومع تكرار التجربة، قد ينعكس ذلك على الصحة العامة باضطرابات النوم والإرهاق وتراجع الدافع، بل وزيادة خطر الاكتئاب.
يؤكد الخبراء أن الخطوة الأولى للتعامل مع الإحباط هي الاعتراف بالعقبات كجزء طبيعي من أي تجربة، سواء في العمل أو أثناء تعلم مهارة جديدة، فالإحباط ليس أثرًا جانبيًا، بل عنصر أساسي في رحلة التطور.
وتوضح الباحثة أيليت فيشباخ، أن التغيير السلوكي لا يكون مريحًا في بداياته، لكن توقع العقبات يساعد على وضع خطة والاستمرار، مشيرة إلى أن الاستعداد لمواجهة الانزعاج قد يكون محفزًا للنمو الذاتي.
وترى فيشباخ، أن الإحباط لا ينبغي أن يُنظر إليه كفشل، بل كدليل على مواجهة تحدٍ مناسب لمستوى الفرد، فكما هو الحال في الاختبارات التكيفية التي تزداد صعوبة مع تحسن أداء الطالب، يصبح الإحباط هنا علامة على التقدم لا على التراجع.
ومن بين أهم الممارسات التي تساعدك على مواجهة الإحباط بذكاء، محاولة ضبط مشاعرك مؤقتًا لتتمكن من التصرف وحل الموقف، ثم تحدث مع شخص تثق به بدل الانفعال العشوائي. وتشير الأبحاث إلى أن تصحيح الإخفاقات أو إيجاد بدائل يقلل من آثار الإحباط السلبية، فيما تساعد تقنيات مثل التنفس العميق على تهدئة الاستجابة الفورية. لكن للاستفادة الحقيقية، ينصح الخبراء بالتفكير في العقبة نفسها واستخلاص الدروس منها استعدادًا للتحديات المقبلة.
اقرأ أيضًا :
احذر.. الإفراط في استخدام مواقع التواصل يزيد من «الإحباط»