تخيّل أن مجرد تفويت فنجان قهوة قد يتحول إلى ألم حقيقي في الرأس!.. الكافيين، الذي يمنحك طاقة وانطلاقة ليوم جديد، قد يصبح غيابه المفاجئ سببًا لصداع مزعج يصل أحيانًا إلى حد الصداع النصفي.
الدكتور نولان بيرسون، طبيب الأعصاب وأخصائي الصداع في مركز “سيدارز سيناي” الطبي بلوس أنجلوس، يقول: “قد يكون صداع انسحاب الكافيين شديدًا ومفاجئًا، وأحيانًا يشبه الصداع النصفي بكونه نابضًا ومزعجًا.”
لكن ما الذي يجعل انسحاب الكافيين مرهقًا إلى هذا الحد؟ رغم أن السبب الدقيق ما زال غير واضح للأطباء، فإن هناك بعض التفسيرات المطروحة، إلى جانب نصائح عملية للتعامل مع هذا النوع من الصداع المزعج.
يحدث صداع انسحاب الكافيين عادةً عند الاستهلاك اليومي لأكثر من 200 ملليغرام من الكافيين – أي ما يعادل نحو فنجانين من القهوة – لمدة تتجاوز أسبوعين، ثم التوقف المفاجئ عن تناوله، وغالبًا ما تبدأ الأعراض خلال 24 ساعة من الانقطاع وتستمر حتى أسبوع كامل، أو تختفي بمجرد إعادة شرب الكافيين.
ورغم أن السبب الدقيق لهذا الصداع ما يزال غير واضح، فإن الأطباء يرجّحون أنه يرتبط جزئيًا بتمدد الأوعية الدموية. فالكافيين في العادة يُضيّق الأوعية، وهو ما يفسر استخدامه أحيانًا لتخفيف بعض أنواع الصداع. وعند التوقف عن تناوله، تتمدد الأوعية الدموية ويزداد تدفق الدم، فينشأ الألم. لكن الدكتور برايان ماكجيني، أخصائي الأعصاب والصداع في مستشفى “بريغهام والنساء” ببوسطن، يرى أن هذه ليست القصة الكاملة.
هناك أيضًا نظرية أخرى تتعلق بـ مستقبلات الأدينوزين. فالكافيين يمنع ارتباط الأدينوزين – وهو جزيء أساسي في الحمض النووي الريبوزي (RNA) – بتلك المستقبلات المنتشرة في الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى تنشيط الخلايا العصبية وانقباض الأوعية، وبالتالي زيادة اليقظة. وعند التوقف فجأة عن الكافيين، يتراكم الأدينوزين بشكل مفاجئ في الجسم، وهو ما قد يُفاقم الصداع. ولهذا السبب يُستخدم الكافيين نفسه في علاج بعض حالات الصداع، بل ويُعزّز من فاعلية مسكنات الألم مثل الإيبوبروفين والباراسيتامول، وفقًا لـ “مايو كلينك”.
ومع ذلك، يشير الدكتور نولان بيرسون، أخصائي الصداع في مركز “سيدارز سيناي”، إلى أن “الكثير من أعراض انسحاب الكافيين ما تزال غير مُفسّرة تمامًا”، مضيفًا: “بالتأكيد لا نعرف السبب بدقة، لكن هناك عدة عوامل قد تفسر هذا النوع من الصداع.”
ويُلاحظ الأطباء أعراض انسحاب الكافيين بشكل شائع في المستشفيات، حيث يُجبر المرضى أحيانًا على التوقف عن شرب القهوة قبل إجراء طبي، كما يظهر بوضوح لدى الصائمين خلال شهر رمضان. يقول ماكجيني: “عندما يختل الروتين فجأة، سواء بدخول المستشفى أو الطوارئ، تظهر علامات الانسحاب بشكل أوضح.”
ورغم ذلك، يظل الكافيين آمنًا عند استهلاكه باعتدال. لكن في حال الرغبة في تقليل أو إيقاف تناوله، يتفق الخبراء على أن الحل الأمثل هو التقليل التدريجي؛ أي خفض الكمية تدريجيًا بمعدل 25 إلى 50 ملليغرامًا يوميًا – ما يعادل ربع إلى نصف فنجان قهوة – أو استبدالها بمشروبات أقل كافيين مثل الشاي.
ويؤكد بيرسون: “إذا كان الشخص يستهلك الكافيين بشكل مزمن ويرغب في التقليل، فمن الأفضل أن يتم ذلك تدريجيًا.” أما إذا استمر الصداع لأكثر من أسبوع، فيجب مراجعة الطبيب، إذ قد يشير حينها إلى مشكلة صحية أخرى لا علاقة لها بانسحاب الكافيين.