الماضي والمستقبل.. 300 عام من تضخم عدد سكان العالم

نوفمبر ٢٦, ٢٠٢٥

شارك المقال

الماضي والمستقبل.. 300 عام من تضخم عدد سكان العالم

تكشف الإحصائيات الديموغرافية الرسمية عن طفرة غير مسبوقة في عدد سكان العالم بدأت بالتسارع الحقيقي منذ مطلع القرن التاسع عشر.

ويلاحظ أن البشرية استغرقت آلاف السنين للوصول إلى المليار الأول بحلول عام 1804 تقريبًا، ولكن الزيادات المليارية اللاحقة استغرقت فترات أقصر بكثير.

وتوضح البيانات أن المليار الثاني تحقق في حوالي 123 عامًا، تقريبًا في 1927)، في حين لم يستغرق الانتقال من 3 مليارات إلى 4 مليارات سوى 14 عامًا فقط (1960-1974).

ويعود هذا الانفجار السكاني، الذي تزايدت وتيرته بشكل خاص في منتصف القرن العشرين، إلى عاملين رئيسين، أولهما انخفاض معدلات الوفيات بشكل حاد بفضل التقدم الهائل في الطب والرعاية الصحية وتحسين الصرف الصحي والتغذية، وثانيهما، استمرار ارتفاع معدلات الخصوبة لفترة طويلة بعد انخفاض الوفيات.

ويبين تحليل هذه البيانات أن هذا النمو السريع لم يكن متجانسًا بين المناطق الجغرافية، بل تركزت بدايته في الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية، ثم انتقل مركزه بثقله إلى الدول النامية في آسيا وأفريقيا في النصف الثاني من القرن العشرين.

ويفسّر هذا التباين الضغوط التي يواجهها العالم اليوم، فبينما تعاني الدول النامية من تحديات توفير البنية التحتية والوظائف اللازمة لعدد السكان المتزايد فيها، تواجه الدول المتقدمة تحديات الشيخوخة السكانية ونقص القوة العاملة.

مستقبل عدد سكان العالم حتى 2100

تتوقع التقارير السكانية الدولية للفترة من منتصف القرن الحادي والعشرين حتى نهايته أن النمو السكاني العالمي سيبدأ في التباطؤ بشكل كبير، وهو ما يُعزى إلى الانخفاض المستمر في معدلات الخصوبة العالمية.

وتشير بيانات الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم سيواصل الارتفاع ليصل إلى ذروته في منتصف القرن تقريبًا أو ما بعده بقليل، إذ من المتوقع أن يصل العدد إلى حوالي 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، وقد يتجاوز 10 مليارات نسمة قبل أن يبدأ في التراجع أو الاستقرار حول هذا الرقم بحلول عام 2100.

وينبغي التنويه أن هذا التباطؤ هو نتيجة طبيعية للمرحلة الثالثة والرابعة من نموذج التحول الديموغرافي، حيث تنخفض معدلات الخصوبة لتقترب من معدل الإحلال أو دونه (2.1 طفل لكل امرأة).

وتشير البيانات إلى علاقة عكسية حادة بين التقدم التنموي ومعدلات الخصوبة، فحيثما ارتفع مستوى التعليم، خاصة بين النساء، وتحسنت سبل الوصول إلى خدمات الصحة وتنظيم الأسرة، انخفضت أعداد الأطفال لكل امرأة بشكل متسارع.

وأدت هذه العلاقة إلى تباين في الهياكل العمرية، فبينما يتمتع جزء من العالم بـ "نافذة ديموغرافية" حيث تزداد نسبة السكان في سن العمل، يدخل جزء آخر، خاصة في أوروبا وشرق آسيا، مرحلة الشيخوخة السريعة، وهو ما يفرض تحديات اقتصادية غير مسبوقة على أنظمة الرعاية الاجتماعية والمعاشات.

توقعات النمو حسب المنطقة

تكشف التوقعات الديموغرافية العالمية للفترة المتبقية من القرن الحادي والعشرين عن مرحلة جديدة تتميز بتباطؤ النمو في عدد سكان العالم وبلوغ الذروة السكانية كما أشرنا.

ويكشف التحليل عن تحول في مراكز الثقل السكاني عالميًا كالتالي:

  • أفريقيا: تعد القارة السمراء هي المحرك الأكبر للنمو المستقبلي، حيث تتميز أفريقيا جنوب الصحراء بأعلى معدلات خصوبة حاليًا تبلغ حوالي 4.6 طفل لكل امرأة، ولذلك، يُتوقع أن يتضاعف عدد سكانها تقريبًا، ليرتفع من حوالي 1.4 مليار نسمة اليوم إلى حوالي 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.
  • آسيا: ستبلغ القارة ذروتها السكانية قريبًا، ثم تبدأ في التراجع، ويُتوقع أن ينخفض عدد سكان الصين، أكبر دولة سكانية سابقًا، بشكل كبير قد يصل إلى 200 مليون نسمة بحلول عام 2100، بينما ستستقر الهند بعد فترة وجيزة من النمو البطيء، مما يغير خارطة القوة العاملة العالمية.

أزمة الهيكل العمري

يعدّ التحول في التركيب العمري للسكان أحد أخطر التحديات الناجمة عن النمو السكاني على المدى الطويل، فقد تسببت التغيرات الديموغرافية في زيادة كبيرة في متوسط العمر المتوقع عالميًا وانخفاض معدلات الخصوبة.

ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) إلى إجمالي عدد سكان العالم، ويتمثل الخطر الأكبر في ارتفاع نسبة الإعالة لكبار السن، حيث يجد عدد أقل من السكان في سن العمل (15-64 سنة) أنفسهم مضطرين لدعم شريحة متزايدة من المتقاعدين.

وكانت نسبة الشباب (0-14 سنة) تبلغ حوالي 25% من عدد سكان العالم في عام 2024، يُتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى 20% بحلول عام 2050. وفي المقابل، ستشهد نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) ارتفاعًا حادًا، حيث ستقفز من حوالي 10% حاليًا إلى نحو 16% من الإجمالي العالمي في عام 2050.

وتظهر دراسات الحالة لدول مثل اليابان، أن هذا التحول يؤدي إلى ما يُسمى بـ "اقتصاديات الانكماش، حيث يؤدي تقلص القوة العاملة إلى ضغط على الإنتاجية، وارتفاع محتمل في الضرائب لتغطية تكاليف الرعاية الصحية والمعاشات، بينما قد تنخفض الإيرادات الضريبية الإجمالية.

ويصبح التحدي أمام الحكومات هو كيفية تحقيق النمو الاقتصادي المستدام بوجود قوة عاملة أصغر، وهو ما قد يتطلب الاعتماد بشكل أكبر على الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى سياسات الهجرة التي تستهدف العمالة الماهرة لسد الفجوة.

آليات التكيف مع تغيّرات عدد سكان العالم

يتطلب التكيف مع المسارات المستقبلية لعدد سكان العالم، سواء في مرحلة النمو السريع أو الانكماش المحتمل، تبني سياسات شاملة.

في المناطق التي لا يزال فيها النمو مرتفعًا، يجب على الحكومات الاستثمار بكثافة في التعليم الجيد والصحة الإنجابية لتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات واعية بشأن حجم أسرهم، ما يؤدي إلى تسريع التحول نحو معدلات خصوبة منخفضة ومستقرة، وتُعدّ هذه الاستثمارات هي المفتاح للاستفادة من الهبة الديموغرافية وتحويل الزيادة في فئة الشباب إلى قوة منتجة.

وفي المقابل، يجب على الدول التي تعاني من الشيخوخة أن تعيد النظر في أنظمة التقاعد والعمل الخاصة بها، فمن المقترحات المطروحة، زيادة سن التقاعد، وتشجيع المشاركة النسائية في القوة العاملة، وتطوير اقتصاد الرعاية لتلبية احتياجات كبار السن المتزايدة.

كما أن سياسات الهجرة المنظمة والموجهة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في ضخ دماء جديدة في أسواق العمل المتقادمة.

ويشدد الخبراء على أن الفشل في التكيف مع هذه التحولات الديموغرافية سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين الأجيال وتفجير "القنبلة الموقوتة" للاستدامة المالية والاجتماعية.

ويُظهر التحليل الإجمالي أن المرحلة التاريخية من 1800 إلى 2100 هي فترة التحول الأعظم في توزيع وتركيب عدد سكان العالم على الإطلاق.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech