الاتجاهات المستقبلية لاستخدام وتنظيم عمل العملات المشفرة

نوفمبر ٢٥, ٢٠٢٥

شارك المقال

الاتجاهات المستقبلية لاستخدام وتنظيم عمل العملات المشفرة

شهد العالم في الفترة الممتدة من مطلع 2024 وحتى أواخر 2025 تحولات غير مسبوقة في مشهد الاقتصاد الرقمي، حيث تداخلت عوامل الابتكار التقني، والتطورات التنظيمية، والمتغيرات الجيوسياسية لتعيد صياغة مستقبل العملات المشفرة واستخدامها المؤسسي والشعبي.

وعلى الرغم من التراجع العنيف في سوق الأصول المشفرة خلال خريف 2025، - والذي أدى إلى تصحيحات سعرية قاسية في قيمة البيتكوين والعملات البديلة -، فإن الأساس الهيكلي للسوق شهد مرحلة نضج غير مسبوقة، مع توسع البنية التشريعية، واعتماد تقنيات البلوكتشين داخل الأنظمة المصرفية العالمية، وازدياد الأهمية الاستراتيجية للعملات الرقمية للبنوك المركزية.

الاتجاهات المستقبلية لتنظيم العملات المشفرة

تشير التطورات التنظيمية خلال عام 2025 إلى أن العالم انتقل من مرحلة التشريعات المتناثرة إلى مرحلة تأسيس إطار قانوني واضح وواسع النطاق، فقد برزت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهونغ كونغ كمراكز قيادية تقود مسيرة تشريع شامل يهدف إلى دعم الابتكار، وحماية المستثمرين، وتوسيع نطاق الاقتصاد الرقمي المنظم.

الولايات المتحدة.. الانتقال إلى مرحلة التشريع الفيدرالي المتماسك

شهد الكونغرس الأمريكي في 2025، نشاطاً تشريعياً استثنائياً شمل ثلاثة قوانين أعادت صياغة العلاقات بين القطاع المالي التقليدي والعملات الرقمية:

قانون GENIUS Act: وقع الرئيس ترامب في يوليو، على هذا القانون الذي يُعد حجر الزاوية لتنظيم "العملات المستقرة"، حيث يفرض القانون معايير صارمة تلزم المصدرين باحتياطيات بنسبة 1:1 (نقد أو سندات خزانة قصيرة الأجل)، ويحظر إعادة استخدام هذه الاحتياطيات، والأهم من ذلك، أنه يفتح الباب للبنوك التقليدية لإصدار هذه العملات، ويخضع الجميع لقوانين مكافحة غسيل الأموال الصارمة.

قانون CLARITY Act : يهدف هذا القانون لإنهاء الحرب الباردة بين الهيئات التنظيمية، حيث سيكون التصنيف قائمًا على الوظيفة، فإذا كان الأصل لا مركزياً وظيفياً، فهو "سلعة رقمية تحت ولاية لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية "CFTC"، أما إذا اعتمد على إدارة مركزية، فهو "ورقة مالية" تحت ولاية هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية "SEC"، حيث يمنح هذا التمييز "اليقين القانوني" الضروري لدخول المؤسسات الكبرى.

قانون Anti-CBDC Act: في اتجاه معاكس للتيار العالمي، حظرت واشنطن إصدار "دولار رقمي" مباشر للأفراد من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مفضلة الاعتماد على حلول القطاع الخاص المبتكرة، مما يرسخ فلسفة السوق الحر في الاقتصاد الرقمي الأمريكي.

أوروبا.. اكتمال تنظيم MiCA

بدخول لائحة MiCA التنفيذ الكامل عام 2025، أصبح الاتحاد الأوروبي يملك أول إطار قانوني موحد لعالم الأصول المشفرة عبر 27 دولة، ويركز الإطار على تنظيم المصدرين، حماية المستهلك، تقنين منصات التداول، وضبط العملات المستقرة والجهات القائمة على إدارة الأصول الرقمية.

ويتزامن ذلك مع استمرار العمل على مشروع «اليورو الرقمي»، المخطط لاستكماله نهاية العقد، بهدف تعزيز الاستقلال النقدي الأوروبي.

هونغ كونغ.. نموذج تنظيمي متوازن

واصلت هونغ كونغ ترسيخ نفسها كمنطقة مالية عالمية للأصول المشفرة من خلال نظام ترخيص إلزامي لمزودي الخدمات، شمل متطلبات صارمة في الحفظ، ضوابط أمن سيبراني، فصل أصول العملاء عن أصول الشركات، والسماح بتداول التجزئة في الأصول الرئيسية ذات السيولة العالية.

كما بدأت المنطقة في تنظيم العملات المستقرة المحلية وتهيئتها للاستخدام التجاري.

الاتجاهات المستقبلية لدمج العملات المشفرة في الأنظمة المصرفية التقليدية

منذ 2024، بدأت العلاقة بين البنوك التقليدية والعملات المشفرة تشهد تحولاً من الشك والمواجهة إلى التكامل والتطبيق الفعلي، ومع نهاية 2025، انتقلت هذه العلاقة من طور التجارب إلى مرحلة التشغيل التجاري واسع النطاق عبر ثلاثة مسارات رئيسية:

1. شبكات المدفوعات البنكية

المثال الأبرز على هذا الدمج هو تحول بنك "جي بي مورغان"، ففي أواخر 2024، أطلق البنك هويته الجديدة لمنصته "Onyx" لتصبح "Kinexys"، والتي تعالج معاملات يومية بمليارات الدولارات، وتعد القيمة المضافة هنا هي القدرة على التسوية الفورية (24/7)، متجاوزة عقبات العطلات وساعات العمل المصرفية.

كما أضافت الشبكة في 2025، وظائف تسوية العملات الأجنبية (FX) على "البلوكتشين"، مما يسمح بتحويلات متعددة العملات بتكلفة أقل ومخاطر صفرية، مع توسع ملحوظ نحو بنوك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

2. خدمات الحفظ (Custody)

أدركت البنوك الكبرى مثل (BNY Mellon, State Street, US Bank) أن "خدمات الحفظ" هي المفتاح، وبفضل الوضوح التنظيمي وتخفيف القيود المحاسبية، بدأت هذه البنوك بتقديم خدمات حفظ شاملة.

ويعتبر التطور اللافت هنا هو أن خدمات الحفظ لم تعد مجرد "خزنة"، بل أصبحت جسراً للسيولة؛ حيث بدأت منصات تداول عالمية مثل Binance بقبول الأصول المحفوظة لدى بنوك تقليدية كضمانات للتداول، مما يخلق تزاوجاً كاملاً بين التمويل التقليدي (TradFi) والعملات المشفرة.

3. ترميز الأصول الحقيقية (Tokenization)

يعتبر "ترميز الأصول" هو الاتجاه الأكثر جاذبية للمصارف في المستقبل المنظور، حيث تجاوز سوق الأصول الحقيقية المرمزة 30 مليار دولار في 2025.

يقود صندوق "BUIDL" من "BlackRock" هذا التوجه، حيث يتيح للمستثمرين الاحتفاظ بالسيولة في شكل رموز رقمية تدر عائداً يماثل سندات الخزانة، مع إمكانية استخدامها كضمانات في الإقراض اللامركزي.

وتشير التوقعات إلى نمو السوق ووصول معاملاته إلى تريليونات الدولارات بحلول 2030، حيث ستنتقل أدوات الدين والائتمان الخاص إلى البلوكتشين لرفع الكفاءة.

العملات الرقمية للبنوك المركزية وتأثيرها على مستقبل العملات المشفرة

يشهد العالم انقساماً استراتيجياً حاداً حول العملات الرقمية للبنوك المركزية، مما يؤثر بشكل مباشر على مستقبل العملات المشفرة الخاصة.

مشروع "mBridge" تحدي الدولار والسويفت

في المعسكر الشرقي والاقتصادات الناشئة، يبرز مشروع "mBridge" الذي يضم الصين، السعودية، الإمارات، هونغ كونغ، وتايلاند) كأبر تطور في أنظمة الدفع، حيث يهدف المشروع لإنشاء بنية تحتية بديلة لنظام "SWIFT"، تتيح تسوية المعاملات التجارية مباشرة بالعملات المحلية الرقمية، مما يقلل الاعتماد على الدولار ويحمي من العقوبات الغربية، ويعزز هذا التوجه من دور العملات الرقمية السيادية على حساب العملات المشفرة اللامركزية في تلك المناطق.

اليورو واليوان الرقمي

دخل اليورو الرقمي مرحلة التحضير النهائية في أكتوبر 2025، بهدف إطلاقه بحلول 2029 لضمان "السيادة النقدية" الأوروبية وتوفير بديل رقمي للنقد (الكاش).

كما تواصل الصين استخدام اليوان الرقمي في التجارة الدولية وتجارة السلع كجزء من استراتيجية تدويل اليوان، رغم المنافسة الشرسة محلياً من تطبيقات الدفع الخاصة.

الغرب ينحاز للعملات المستقرة الخاصة

على النقيض تماماً، اتخذ الغرب بقيادة أمريكا، مساراً يدعم "القطاع الخاص"، حيث تظهر البيانات أن أحجام تسوية العملات المستقرة مثل USDC وPYUSD باتت تنافس شبكات بطاقات الائتمان العالمية، متجاوزة 46 تريليون دولار.

وتقود شركات مثلStripe وPayPal هذا التبني، حيث دمجت العملات المستقرة في أنظمة الدفع العالمية، وبذلك أصبحت هذه العملات بديلاً عملياً للعملات الحكومية الرقمية في الغرب، خاصة مع وجود قوانين مثل GENIUS التي تضبط المخاطر وتعزز الرقابة.

وفي ختام قراءتنا للمشهد في أواخر 2025، يمكن القول إن الاقتصاد الرقمي قد تجاوز مرحلة "المراهقة"، ويتجه إلى مستقبل أكثر وضوحًا من خلال:

  • تنظيم صارم: يقضي على المشاريع الهشة ويعزز المؤسسات الممتثلة "قوانين GENIUS وCLARITY".
  • تكامل مصرفي: يحول البنوك من منافسين إلى جسور عبور للسيولة "شبكة Kinexys".
  • تعددية قطبية في الأنظمة: نظام mBridge" " للشرق، و"عملات مستقرة خاصة" للغرب.

يمكنك أن تقرأ أيضًا:

من الولادة وحتى الدمج.. محطات تطور العملات المشفرة

التعامل مع الكريبتو في السعودية.. استراتيجية وطنية للريادة العالمية

أعلى العملات المشفرة قيمة سوقية في 2025

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech