العملات المشفرة والأسواق التقليدية.. علاقة معقدة ومتغيرة

نوفمبر ٢٥, ٢٠٢٥

شارك المقال

العملات المشفرة والأسواق التقليدية.. علاقة معقدة ومتغيرة

خلال العقد الأخير، تحولت العملات المشفرة من مجرد فكرة رقمية إلى فئة أصول مؤثرة على الأسواق المالية العالمية. ولم تعد البيتكوين وإيثيريوم أدوات للمضاربة فحسب، بل أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بالأسواق التقليدية مثل الذهب والأسهم والنفط، وهو ما يفرض على المستثمرين والخبراء الاقتصاديين فهم هذه العلاقة المعقدة والمتغيرة باستمرار.

طبيعة العلاقة بين العملات المشفرة والأسواق التقليدية؟

كانت العملات المشفرة في البداية فئة أصول مستقلة نسبيًا، تتميز بعزلتها عن النظام المالي التقليدي، لكنها مع توسع التبني المؤسسي وزيادة التداول العالمي، بدأت تظهر روابط واضحة مع الأسواق المالية التقليدية. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن ديناميكيات بيتكوين وإيثيريوم أصبحت أكثر ارتباطًا بالأسواق التقليدية مثل الأسهم والفوركس والسلع.

ويوصف هذا التغير بـ "انتقال المرحلة"، والذي نقل العملات المشفرة من كونها أصول شبه مستقلة إلى أن تصبح جزءًا من النظام المالي الأوسع، ما يدفع المستثمرين لإعادة تقييم استراتيجياتهم. ولا تقتصر العلاقة على فئة واحدة، بل تمتد لتشمل الأسهم، والسندات، والسلع مثل الذهب والنفط، بالإضافة إلى العملات الرقمية التي تختلف في خصائصها عن نظيرتها المشفرة.

العملات المشفرة وعلاقتها مع الذهب

يعتبر الذهب الملاذ الآمن الكلاسيكي ضد التقلبات الاقتصادية والتضخم، وفهم العلاقة بينه وبين العملات المشفرة أمر حاسم للمستثمرين. ويتشابه كلا منهما في بعض الخصائص إذ توصف البيتكوين أحيانًا بأنه "ذهب رقمي"، نظرًا لمحدودية عرضه، على غرار الذهب الذي يحتاج إلى التعدين. وأظهرت دراسات أن العلاقة طويلة الأجل بين البيتكوين والذهب ضعيفة نسبيًا، ويتحركان أحيانًا بشكل مستقل بسبب اختلاف محفزات السوق. كما وجدت دراسة أخرى حول "التفاعل الديناميكي" بين بيتكوين، والذهب، والنفط للفترة 2017-2019، أن البيتكوين قد يعمل كأداة تحوّط للأصول الأخرى، لكن ليس دائمًا.

وخلال جائحة كوفيد-19، أظهرت الدراسات وجود "تسرب تقلبات" - هي ظاهرة تُشير غلى عدوى التغيرات الكبيرة في الأصول التي يمكن ان تنتقل إلى غيرها - بين العملات المشفرة وأسواق الذهب والأسهم، وذلك اعتمادًا على نموذج نحليل البيانات DCC‑GARCH، ما يعكس العلاقة المعقدة والمتغيرة حسب الفترات الزمنية.

من ناحية أخرى، يمكن للذهب والبيتكوين أن ينفصلا في بعض الفترات، لأن الذهب يتأثر بالسياسات النقدية والأزمات الجيوسياسية، بينما يتأثر البيتكوين أكثر بالعوامل التقنية والمضاربية. ورغم التشابه بين البيتكوين والذهب، يبقى الذهب فريدًا بفضل طبيعته المادية، واستخداماته الصناعية وفي المجوهرات، وعدم اعتماده على الإنترنت أو البنية التحتية الرقمية. كما أن الذهب غالبًا ما يظل أفضل من العملات المشفرة كملاذ آمن في فترات الاضطراب الكبير.

علاقة العملات المشفرة مع الأسهم

تطورت العلاقة بين العملات المشفرة والأسهم بشكل ملحوظ مع الوقت، إذ تمثلان فئتين من الأصول الاستثمارية. وأصبح البيتكوين أكثر ارتباطًا بأسواق الأسهم، خصوصًا خلال الأحداث الاقتصادية الكبرى، ما يعني أن تقلبات الأسهم يمكن أن تؤثر على العملات المشفرة. وتشير التقارير الحديثة إلى أن العلاقة بين البيتكوين والأسهم تغيرت منذ 2020 مع تبني المؤسسات وصناديق الاستثمار للعملات المشفرة.

وأظهر تحليلات اقتصادية أن تقلبات العملات المشفرة يمكن أن تنتشر إلى أسواق الأسهم، خصوصًا أثناء الأزمات مثل جائحة كوفيد، كما يمكن أن يؤثر الاستثمار في العملات المشفرة على عوائد الأسهم، مما يعكس تفاعلات ديناميكية بين الأسواق. وتُشير البحوث إلى أن العملات المشفرة لا تعمل دائمًا كأداة تحوّط فعالة للأسهم، كما أن الذهب نفسه ليس كافيًا. ولكن مع مرور الوقت، بدأ المستثمرون المؤسسيون يدمجون العملات المشفرة ضمن محافظهم المالية، وليس فقط لأغراض المضاربة، مما يزيد الترابط مع الأسهم والأسواق التقليدية.

العملات المشفرة والنفط

تُعتبر العلاقة بين العملات المشفرة والنفط أقل مباشرة مقارنة بالعلاقة مع الذهب والأسهم، لكنها مهمة أيضًا لفهم ديناميكيات الأسواق. ويشبه البيتكوين النفط من حيث أنه مستخرج من عملية تعدين رقمية محدودة الموارد، على غرار النفط المستخرج بالتعدين التقليدي. وبيّنت دراسة من جامعة مالطا وجود علاقة ثنائية الاتجاه بين إيثيريوم وأسعار نفط برنت فيتأثر كلا منهما باداء الآخر، بينما العلاقة بين البيتكوين والنفط كانت أحادية الاتجاه، أي أن تحركات النفط قد تؤثر على البيتكوين، لكن تحركات البيتكوين لا تؤثر بشكل واضح على النفط.

وتُشير الدراسات إلى أن الذهب غالبًا له تأثير أكبر كملاذ آمن مقارنة بالنفط على المحافظ المشفرة خلال الأزمات، لكن النفط أظهر بعض التأثير مع تفاعلات متغيرة عبر الزمن. كما أن العلاقة مع النفط ليست ثابتة، ويتأثر النفط بعوامل اقتصادية كبيرة مثل العرض العالمي والسياسات والطاقة الصناعية، والتي قد لا تتوافق مع محركات العملات المشفرة.

لماذا تتصل هذه الأسواق؟

زاد الترابط بين العملات المشفرة وأسواق الذهب والأسهم والنفط نتيجة لزيادة اعتماد البنوك وصناديق الاستثمار على العملات المشفرة وهو ما عزز الترابط مع الأنظمة المالية التقليدية. كما أن سوق العملات المشفرة الضخم يسمح بانسياب رأس المال بين الأسواق الرقمية والتقليدية، واستخدامها كأداة تنويع أو تحوّط. ومن ناحية أخرى تؤثر البيئة الاقتصادية الكلية والتي تشمل: أسعار الفائدة، والتضخم، والسياسات النقدية، والتوترات الجيوسياسية على الأسهم والذهب والنفط، وتنعكس على العملات المشفرة. كما أن تصورات المستثمرين حول العملات المشفرة كمخزن للقيمة تؤثر على قرارات الاستثمار في الذهب والأسهم.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech