التحول إلى الطاقة المتجددة.. ضرورة مُلحة للكوكب

نوفمبر ٢٣, ٢٠٢٥

شارك المقال

 التحول إلى الطاقة المتجددة.. ضرورة مُلحة للكوكب

يُمثل التحول إلى الطاقة المتجددة تحولًا جذريًا في طريقة إنتاج الطاقة وتوزيعها واستهلاكها على مستوى العالم، ويهدف بشكل أساسي إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري والاعتماد على مصادر نظيفة مثل الطاقة الشمسية، والرياح، والطاقة المائية والحرارية الجوفية.

وتعد هذه النقلة أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة أزمة المناخ، خاصة وأن الوقود الأحفوري ما زال يوفر 80% من إمدادات الطاقة العالمية، ويطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة المسببة للاحترار.

ما هو التحول المستدام للطاقة ولماذا يهم؟

يَكمن الهدف الأساسي للتحول المستدام للطاقة في تحويل نظام الطاقة العالمي لمكافحة تغير المناخ، مع تعزيز التنمية المستدامة في الوقت ذاته.

ولا يقتصر الأمر على تبني مصادر طاقة أنظف فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز كفاءة الطاقة، ونشر تقنيات متقدمة مثل تخزين الطاقة، وإزالة الكربون من قطاعات حيوية كالكهرباء والنقل والصناعة.

يعتبر مفهوم "الانتقال العادل" محوريًا، إذ يضمن العدالة والشمول للجميع، لا سيما أولئك الذين يعملون في الصناعات كثيفة الاستخدام للوقود الأحفوري والذين قد يفقدون وظائفهم ومصادر دخلهم.

وبالتالي، لا يقدم التحول المستدام للطاقة فوائد بيئية فحسب، بل يدفع أيضًا عجلة الابتكار، ويخلق فرص عمل، ويقلل من فقر الطاقة، ويمثل هذا المسار فرصة فريدة لمعالجة التحديات العالمية المشتركة مثل التفاوت في الوصول إلى الطاقة، وأمن الطاقة، وعدم المساواة، والآثار الصحية من خلال حلول متكاملة وتحويلية.

ويشكل نظام الطاقة الحالي المحرك الرئيسي لتغير المناخ العالمي، إذ يساهم بنحو 75% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة.

ومع استمرار درجات الحرارة في تحطيم الأرقام القياسية عامًا بعد عام، أصبح تحويل كيفية إنتاج واستهلاك الطاقة أمرًا حيويًا.

بموجب اتفاقية باريس، التزمت البلدان بتخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة في انبعاثات الغازات الدفيئة للحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ويفضل أن يكون 1.5 درجة مئوية، وتعتمد قدرة العالم على تحقيق هذا الهدف على وصول قطاع الطاقة إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

أكد القرار التاريخي الصادر عن "التقييم العالمي الأول" الذي اُعتمد في مؤتمر COP28 في دبي عام 2023 على مسارات الطاقة التي يجب على الدول اتباعها، بما في ذلك مضاعفة القدرة العالمية للطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة متوسط المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، والابتعاد عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، بالإضافة إلى التخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري غير الفعال.

تقدم قياسي في توليد الكهرباء من المصادر النظيفة

شهد العالم إنجازًا جديدًا في عام 2024، حيث وفرت المصادر منخفضة الكربون المتجددة والنووية 40.9% من إجمالي توليد الكهرباء العالمي، متجاوزة عتبة 40% لأول مرة منذ الأربعينيات، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "إمبر" الفكرية العالمية للطاقة.

كانت مصادر الطاقة المتجددة هي المحرك الرئيسي لهذا النمو النظيف الشامل، إذ أضافت رقمًا قياسيًا بلغ 858 تيراواط/ساعة في عام 2024، بزيادة قدرها 49% عن أعلى مستوى سابق في عام 2022. ت

وتعتبر الطاقة الشمسية أكبر مساهم لهذا العام الثالث على التوالي، حيث أضافت 474 تيراواط/ساعة لتصل حصتها إلى 6.9%، وبذلك كانت أسرع مصادر الطاقة نموًا (+29%) للعام العشرين على التوالي.

تضاعف إنتاج الكهرباء الشمسية في غضون ثلاث سنوات فقط، موفرة أكثر من 2000 تيراواط/ساعة من الكهرباء في عام 2024.

زادت أيضًا طاقة الرياح لتصل إلى 8.1% من الكهرباء العالمية، بينما ظلت حصة الطاقة الكهرومائية ثابتة عند 14%، وهي أكبر مصدر متجدد منفرد.

وبالرغم من صعود مصادر الطاقة المتجددة، سجل توليد الطاقة الأحفورية زيادة طفيفة بنسبة 1.4% في عام 2024 بسبب ارتفاع الطلب على الكهرباء، ما دفع انبعاثات قطاع الطاقة العالمي للارتفاع بنسبة 1.6% لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.

يعزى الارتفاع في توليد الوقود الأحفوري بشكل رئيسي إلى موجات الحر، التي مثلت ما يقرب من خمس (+0.7%) من الزيادة في الطلب العالمي على الكهرباء في عام 2024، وباستثناء هذه التأثيرات المرتبطة بدرجات الحرارة، كان توليد الوقود الأحفوري سيرتفع بنسبة 0.2% فقط.

ومن المرجح أن يتجاوز نمو التوليد النظيف زيادة الطلب المتسارعة في السنوات القادمة، مما يُشكل بداية انخفاض دائم في توليد الوقود الأحفوري.

سيكون النمو المتوقع الحالي في التوليد النظيف كافيًا لتلبية زيادة في الطلب بنسبة 4.1% سنويًا حتى عام 2030، وهو ما يتجاوز التوقعات.

تعد الصين والهند في طليعة هذا التوجه نحو الطاقة النظيفة، حيث لبت الصين 81% من زيادة طلبها على الكهرباء من خلال النمو النظيف في عام 2024، فيما تضاعفت إضافات الطاقة الشمسية في الهند مقارنة بعام 2023.

تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة في الاقتصادات النامية والفجوة التمويلية

يتوقع أن تبلغ تكلفة تحقيق التحول إلى الطاقة المتجددة حوالي 5.8 تريليون دولار سنويًا من 2023 إلى 2030 لـ 48 اقتصادًا ناميًا شملتها الدراسة، وهو ما يعادل 19% من ناتجها المحلي الإجمالي.

يصل هذا المبلغ إلى 1,271 دولارًا سنويًا للفرد لتلبية أهداف مثل توفير الوصول الشامل إلى الكهرباء وتحسين الوصول إلى حلول الطهي النظيف.

وتقسم التكلفة الإجمالية بحيث يجب إنفاق 80% منها في الاقتصادات النامية ذات الدخل المتوسط الأعلى والدخل المرتفع.

تبلغ التكلفة السنوية للفرد في هذه الدول 2,042 دولارًا، وهو أكثر بأربع مرات من مثيلتها في الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والأدنى المتوسط.

ومن بين البلدان الأكثر عرضة للتحديات، تواجه الدول الجزرية الصغيرة النامية أعلى تكلفة سنوية للفرد عند 1,703 دولارًا.

وعندما تقاس التكاليف مقابل الاقتصاد الوطني، تتحمل أقل البلدان نموًا العبء الأثقل، إذ تتطلب ما يقرب من 46% من ناتجها المحلي الإجمالي لهذا التحول.

وعلى الرغم من الاحتياجات الملحة، تترك مسارات الإنفاق الحكومي الحالية فجوة سنوية تقدر بـ 286 مليار دولار للاقتصادات النامية الـ 48.

تتطلب سد هذه الفجوة زيادة بنسبة 5.2% في الإنفاق السنوي. تكشف دراسة أعمق أن 98% من الفجوة تقع ضمن الاقتصادات النامية ذات الدخل المتوسط الأعلى والمرتفع، وإذا تم تمديد الحساب ليشمل جميع الاقتصادات النامية باستخدام متوسط التكلفة للفرد في الدراسة، سيصل إجمالي الاحتياجات السنوية للإنفاق إلى 7.3 تريليون دولار، وستبلغ الفجوة السنوية 320 مليار دولار مقارنة بمسار الإنفاق الحكومي المعتاد.

وفي حال نجاح المجتمع العالمي في سد الفجوة، فإن ثلاثة من أصل أربعة أهداف محددة للتحول في معظم الاقتصادات النامية الـ 48 ستكون قابلة للتحقيق بحلول عام 2030.

التباين في الاعتماد على الوقود الأحفوري ضمن مجموعة العشرين

تكشف التحليلات أن التحول إلى الطاقة المتجددة قد قلل من حصة طاقة الفحم في دول مجموعة العشرين منذ اتفاقية باريس، بفعل زيادة طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وصلت حصة الرياح والطاقة الشمسية مجتمعة إلى 13% من الكهرباء في دول مجموعة العشرين في عام 2022، ارتفاعًا من 5% في عام 2015، انخفضت نتيجة لذلك طاقة الفحم من 43% إلى 39% من كهرباء المجموعة في نفس الفترة.

لكن، ما زالت 13 دولة من مجموعة العشرين تعتمد على الوقود الأحفوري لتوليد أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء اعتبارًا من عام 2022.

تبرز جنوب أفريقيا باعتمادها على النفط والغاز لتوليد ما يقرب من 86% من كهربائها، تليها إندونيسيا (82%) والهند (77%) كأكثر الدول التالية اعتمادًا على الوقود الأحفوري ومعظمه من الفحم.

مقاومة مشاريع طاقة الرياح وتأثيرات اليمين الشعبوي

تواجه مقترحات مشاريع البنية التحتية لطاقة الرياح في كثير من الأحيان معارضة في المجتمعات المتأثرة.

تشير دراسة أجراها باحثون من معهد RIFS إلى أن المقاومة تقودها في الغالب مبادرات محلية، وأن عدم الرضا عن عمليات اتخاذ القرار يفوق بكثير المواقف الشعبوية.

يوصي الباحثون صانعي القرار السياسي بضرورة إشراك السكان بشكل هادف وأخذ مخاوفهم على محمل الجد لزيادة الرضا العام عن تنفيذ التحول في قطاع الطاقة.

ركزت الصراعات التي حللتها الدراسة على مخاوف محلية ومباشرة، تتركز في الغالب حول المناظر الطبيعية والقضايا البيئية والصحية.

رغم أن الشعبويين اليمينيين، وتحديدًا حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، سعوا لاستغلال هذه الاحتجاجات لأجندتهم، إلا أن ذلك لم ينجح إلى حد كبير، نظرًا لعدم رغبة المبادرات المحلية في التعاون مع الأحزاب السياسية.

مع ذلك، تنتشر الخطابات الشعبوية بين معارضي مشاريع تحول الطاقة. يظهر المكون الأساسي للشعبوية الكلاسيكية المتمثل في معاداة النخبة ومعاداة التعددية والتركيز على "الرجل العادي" بطرق محددة.

يتجلى ذلك في الاستياء الواسع النطاق تجاه النخب السياسية والاقتصادية التي يُنظر إليها على أنها تستغل مشاريع الطاقة لتحقيق مكاسب شخصية.

وتظهر البيانات أن غالبية سكان المناطق الريفية يعتقدون أنهم يتحملون عبء استهلاك الطاقة في المناطق الحضرية.

الرأي العام العالمي يدعم التحول السريع للطاقة النظيفة

أفاد سبعة من كل عشرة أشخاص حول العالم بأنهم يريدون أن تنتقل بلدانهم إلى الطاقة النظيفة بأسرع وقت ممكن لمواجهة أزمة المناخ.

كشف "تصويت الشعوب الثاني حول المناخ" الصادر عن الأمم المتحدة، والذي شمل أكثر من 73,000 شخص في 77 دولة، أن 85% من هذه البلدان تدعم التحول إلى الطاقة المتجددة السريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري، بما في ذلك غالبية أكبر 10 دول منتجة للنفط والغاز والفحم في العالم.

لكن، أكد تقرير جديد صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومجموعة بوسطن الاستشارية، على ضرورة أن يكون التحول ليس سريعًا فحسب، بل عادلًا أيضًا.

يحذر التقرير من أن "السياسات الحسنة النية والإجراءات الإيجابية للمناخ قد تؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاقتصادية القائمة وترك المجتمع أكثر تشرذمًا واستقطابًا".

أعرب حوالي ثلاثة أرباع المشاركين (74%) في التصويت عن زيادة قلقهم بشأن أزمة المناخ مقارنة بالعام الماضي.

أبدى ستة من كل عشرة أشخاص في أقل البلدان نموًا قلقًا متزايدًا، مقارنة بنصف الأشخاص في دول مجموعة العشرين، ويطالب 89% من سكان أقل البلدان نموًا بالتزامات أقوى لمكافحة أزمة المناخ.

ومع أن التحول إلى الطاقة النظيفة هو جزء أساسي من معالجة أزمة المناخ، تشير الحقائق إلى أن أكثر من 90% من الاستثمار في هذا القطاع يتركز في الاقتصادات المتقدمة والصين.

وبلغ إجمالي الاستثمار في البنية التحتية للطاقة النظيفة 1.8 تريليون دولار في عام 2023، ولكن الاقتصادات الناشئة والنامية تلقت أقل من 15% منه، على الرغم من أنها تمثل 65% من سكان العالم وتولد حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech