عاد الجدل حول العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة إلى الواجهة مع صدور تحليل جديد للاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية «AFL-CIO»، كشف عن أرقام فلكية لرواتب مدراء شركات التجزئة.
فقد تبيّن أن الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس، براين نيكول، يتقاضى ما يقارب 46,058 دولارًا في الساعة، أي ما يعادل 95.8 مليون دولار سنويًا، ليتصدر قائمة الأعلى دخلًا في القطاع.
اعتمد تقرير «AFL-CIO» على حساب أجر الساعة وفق أسبوع عمل تقليدي من 40 ساعة. وجاء دوج مكميلون، رئيس وولمارت، في المرتبة الثانية بأجر يبلغ 13,177 دولارًا في الساعة، بينما سجّلت باربرا رينتلر من روس ستورز أدنى راتب تنفيذي في القائمة، لكنه ظل مرتفعًا عند 8,170 دولارًا في الساعة.
في المقابل، لا يتجاوز دخل الموظف العادي في المتاجر الكبرى 15 دولارًا في الساعة، ما يضع الفجوة بين الطرفين في مستويات غير مسبوقة.
جاء ترتيب القائمة التي تعكسها بيانات AFL-CIO وVisual Capitalist لأكثر المدراء التنفيذيين دخلًا في 2024، كالتالي:
1. براين نيكول (ستاربكس): 95.8 مليون دولار — 46,058 دولارًا في الساعة.
2. دوج مكميلون (وولمارت): 27.4 مليون دولار — 13,177 دولارًا في الساعة.
3. ريتشارد ديكسون (Gap): 19.4 مليون دولار — 9,340 دولارًا في الساعة.
4. سكوت بوترايت (Chipotle): 19.1 مليون دولار — 9,201 دولارًا في الساعة.
5. جويل أندرسون (Petco): 18.2 مليون دولار — 8,778 دولارًا في الساعة.
يرجع الخبراء هذا التفاوت إلى طبيعة حزم التعويضات التي يحصل عليها التنفيذيون، إذ لا تقتصر على الرواتب الأساسية، بل تشمل «منح الأسهم، ومكافآت الأداء، وحوافز طويلة الأمد» تجعل إجمالي الدخل يتجاوز حدود المنطق الاقتصادي التقليدي. أما الموظفون، فيعتمدون بالكامل تقريبًا على أجر ثابت يواجه ضغوط التضخم وتكاليف المعيشة.
ولا يبدو النقاش حول عدالة توزيع الثروة جديدًا. ففي عام 2022، أظهر تقرير لصحيفة «The Hill» أن نسبة أجور مدراء الشركات المدرجة في مؤشر «S&P 500» بلغت 272 ضعفًا مقارنة بمتوسط دخل موظفيهم.
وتزداد حدة الفجوة في قطاع التجزئة، حيث يقترب كثير من العاملين من الحد الأدنى للأجور، بينما يحقق التنفيذيون أرباحًا بمعدلات مضاعفة.
ولعل المثال الأكثر وضوحًا يظهر في وولمارت، فبينما يحصل مكميلون على 13,177 دولارًا في الساعة، يحتاج الموظف العادي إلى 878 ساعة عمل -أي ما يعادل عامًا كاملًا- ليكسب ما يجنيه رئيسه التنفيذي في ساعة واحدة فقط.
يدافع أنصار هذا النظام بالقول إن «التعويضات تعكس مستوى المخاطر والمسؤوليات التي يتحملها التنفيذيون»، وإن جزءًا كبيرًا من المكافآت مرتبط بنتائج الأداء وأسعار الأسهم، ما يفيد المساهمين في النهاية. لكن معارضين يرون أن هذه الحجة تتجاهل حقيقة ركود الأجور المتوسطة لعقود طويلة.
وتتعرض مجالس إدارات الشركات لضغوط من النقابات والمساهمين لربط مكافآت التنفيذيين بتحسين أوضاع العاملين أو بتحقيق أهداف بيئية واجتماعية، لكن مثل هذه المبادرات ما زالت محدودة التأثير.
ويحذّر خبراء الاقتصاد من أن استمرار الهوة بين التنفيذيين والعاملين قد يقوّض التماسك الاجتماعي ويضع النموذج الاقتصادي الأمريكي أمام اختبار حقيقي. فبينما ارتفعت تعويضات كبار المدراء بنسبة 1400% منذ السبعينيات، بقيت أجور العمال شبه راكدة، ما يجعل من قضية «العدالة في توزيع الثروة» أكثر من مجرد شعار سياسي، بل تحديًا وجوديًا لاستدامة الاقتصاد.