منذ بداية القرن الحادي والعشرين، واصلت البنوك المركزية حول العالم رفع احتياطيات الذهب بوتيرة منتظمة، قبل أن يشهد هذا المسار تسارعاً لافتاً خلال الأعوام الأخيرة، ويأتي هذا التحول في وقت تتعرض فيه الثقة العالمية بالعملات الاحتياطية التقليدية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، لضغوط متزايدة بفعل التضخم، والعقوبات الاقتصادية، وتبدل موازين التحالفات الجيوسياسية، وفي ظل هذه المعطيات، عادت دول كثيرة إلى الذهب بوصفه مخزناً استراتيجياً آمناً للقيمة.
روسيا والصين في صدارة المشهد العالمي
تتصدر روسيا قائمة الدول الأكثر إضافة إلى احتياطياتها من الذهب منذ مطلع القرن، بإجمالي بلغ نحو 1948 طناً، متقدمة بفارق طفيف على الصين التي سجلت زيادات قدرها 1885 طناً، وتشير هذه الأرقام إلى أن الدولتين استحوذتا معاً على أكثر من نصف إجمالي الزيادات العالمية في احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2024.
لماذا تكدس موسكو وبكين الذهب؟
يعكس النمو الكبير في حيازات الذهب لدى روسيا والصين توجهاً استراتيجياً أوسع يهدف إلى تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي، فبعد تعرضها لعقوبات غربية واسعة، سارعت موسكو إلى تنفيذ سياسة واضحة للتخلي عن الدولار، مفضلة الذهب كأداة تحمي احتياطياتها من مخاطر المصادرة أو التآكل في القيمة.
أما الصين، فتنبع دوافعها من اعتبارات استراتيجية طويلة الأمد، ففي ظل التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وسعي بكين المتواصل إلى تدويل عملتها الوطنية، اليوان، عمدت السلطات الصينية إلى تكديس الذهب بشكل هادئ ومنهجي، غالباً عبر مشتريات غير معلنة من قبل البنك المركزي، إضافة إلى تحويلات من الإنتاج المحلي للمناجم.
تجارة ذهب خارج النظام المالي الأمريكي
تجاوز التعاون بين روسيا والصين حدود التراكم الفردي للاحتياطيات، إذ انخرط البلدان في صفقات تجارية ثنائية تاريخية تعتمد على الذهب، بعيداً عن النظام المالي الأمريكي، وتأتي هذه الخطوات في سياق اتجاه عالمي أوسع، حيث باتت البنوك المركزية تمتلك حالياً كميات من الذهب تفوق ما تحوزه من سندات الخزانة الأمريكية، في مؤشر واضح على تصاعد جاذبية المعدن الأصفر في عالم يتسم بمزيد من الانقسام الجيوسياسي.
الأسواق الناشئة تسير على النهج ذاته
ورغم الهيمنة الروسية والصينية على صدارة الأرقام، فإن عدداً متزايداً من الاقتصادات الناشئة دخل بدوره سباق تخزين الذهب بوتيرة متسارعة، فقد عززت الهند احتياطياتها بنحو 518 طناً، في محاولة لمواجهة تقلبات العملة المحلية ومخاوف التضخم.
كما لجأت تركيا، التي أضافت نحو 501 طن، إلى الذهب كملاذ في ظل الاضطرابات الاقتصادية وتراجع قيمة الليرة.
وفي السياق نفسه، أقدمت دول مثل بولندا وكازاخستان على إضافة مئات الأطنان من الذهب إلى احتياطياتها، ضمن استراتيجيات تهدف إلى تنويع الأصول وتقليل المخاطر، وعلى صعيد آخر، تعمل دول خليجية، من بينها السعودية وقطر، على زيادة حيازاتها من الذهب كجزء من برامج تنويع اقتصادي أوسع، ترتبط برؤى وطنية طويلة الأمد مثل رؤية السعودية 2030.
الذهب… جاذبية مستمرة في عالم متغير
وبحسب موقع "ديسكفري أليرت"، من المتوقع أن تظل البنوك المركزية مشترية صافية للذهب، ومع استمرار الضغوط التضخمية، وتعمق حالة التفكك الجيوسياسي، وحاجة الدول إلى تنويع مكونات احتياطياتها النقدية، يواصل الذهب ترسيخ مكانته بوصفه مخزناً محايداً ودائماً للقيمة، خصوصاً لدى الدول الساعية إلى قدر أكبر من الاستقلال عن الأنظمة المالية الغربية.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:








