أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة اتصالاً هاتفياً طال انتظاره، هدف إلى الانتهاء من صفقة تمنع حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، وذلك وسط محاولات الجانبين لحل النزاع التجاري المتفاقم بين أكبر اقتصادين في العالم.
بدأت المحادثة في الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت الشرقي واستمرت لأكثر من ساعتين، حسبما أكد مسؤول في البيت الأبيض لشبكة CNBC.
وتمثل هذه المكالمة أول تواصل مباشر بين القائدين منذ يونيو الماضي، عندما أجريا محادثة استغرقت نحو 90 دقيقة ركزت بشكل أساسي على القضايا التجارية.
جاء هذا الاتصال في أعقاب التوصل إلى “إطار عمل” أولي لحل قضية تيك توك خلال مفاوضات عقدت في مدريد في وقت سابق من هذا الأسبوع، كما أعلن وزير الخزانة سكوت بيسنت.
وتواجه شركة بايت دانس الصينية، الشركة الأم لتيك توك، ضغوطاً متزايدة بموجب قانون فيدرالي يلزمها ببيع عملياتها الأمريكية أو مواجهة الحظر في السوق الأمريكية.
أظهر الرئيس ترامب، الذي عبر عن إعجابه بتيك توك ونسب إليه جزءاً من نجاحه في انتخابات 2024، مرونة في التعامل مع الموعد النهائي للحظر، حيث أصدر يوم الثلاثاء أمراً تنفيذياً جديداً يمدد المهلة للمرة الرابعة حتى 16 ديسمبر.
وأثناء زيارة دولة إلى المملكة المتحدة يوم الخميس، أعرب الرئيس عن رغبته في الحفاظ على تيك توك، قائلاً من مقر إقامة رئيس الوزراء البريطاني في تشيكرز: “نحن نتحدث مع شي لنرى ما يمكننا فعله بشأن تيك توك، حيث توجد قيمة كبيرة فيه، وأنا لا أحب التخلي عن القيمة”.
في السياق ذاته، أكدت الصين يوم الخميس وصول الجانبين إلى “توافق إطار أساسي” حول تيك توك، لكنها كررت معارضتها لما وصفته بـ”تسييس المسائل التكنولوجية والاقتصادية والتجارية”.
وقال هي يادونغ، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، إن الحكومة الصينية لن تسعى أبداً إلى “أي اتفاق على حساب المواقف المبدئية ومصالح الشركات والعدالة الدولية”.
حسب التقارير الإعلامية، تتضمن الصفقة المقترحة تشكيل تحالف يضم شركات أوراكل وسيلفر ليك وأندريسن هورويتز للسيطرة على النسخة الأمريكية من تيك توك بحصة 80%، بينما تحتفظ الشركة الصينية بحصة أقل من 20%.
كما ستكون إدارة التطبيق تحت سيطرة مجلس إدارة أمريكي قد تحصل فيه الحكومة الأمريكية على مقعد واحد.
لكن المحادثات تركز أيضاً على قضايا أوسع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة في ظل الحرب التجارية المستمرة.
ففي أبريل، وصلت الرسوم الجمركية المتبادلة إلى 145%، مما خلق عملياً حظراً تجارياً متبادلاً.
ومنذ ذلك الحين، تم تخفيض هذه الرسوم في إطار اتفاق “إطار العمل” الجديد، حيث لا تتجاوز الرسوم الأمريكية على الواردات الصينية 30%، بينما فرضت الصين رسوماً إضافية بنسبة 10% على البضائع الأمريكية.
هذه المعدلات المخفضة للرسوم الجمركية ستنتهي صلاحيتها في 10 نوفمبر ما لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد أو تمديد وقف إطلاق النار التجاري مرة أخرى.
كما تستمر الخلافات بين البلدين حول ضوابط التصدير على المنتجات ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل المعادن النادرة التي تحتكر الصين تقريباً إنتاجها، والتكنولوجيا الأمريكية.
يبرر المسؤولون الأمريكيون ضرورة بيع تيك توك بالإشارة إلى القوانين الصينية التي تجبر الشركات الصينية على تقديم البيانات عند طلبها من الحكومة، كما يعبرون عن مخاوف بشأن ممارسات جمع البيانات والخوارزمية المستخدمة لاقتراح المحتوى للمستخدمين، والتي يزعمون أنها عرضة للتلاعب من السلطات الصينية.
من جهتها، تنفي تيك توك مشاركة بيانات المستخدمين مع المسؤولين الصينيين وتؤكد أن الولايات المتحدة لم تقدم أدلة على محاولات بكين التأثير على الخوارزمية.
ويجادل الممثلون القانونيون لتيك توك وبايت دانس بأن الخوارزمية القوية، التي ساهمت بشكل كبير في النجاح العالمي للتطبيق، تعتبر ملكية فكرية، مما يجعل نقلها إلى شركة أمريكية تحدياً كبيراً في ظل اللوائح الصينية.
يشير المحللون إلى أن أي اتفاق محتمل سيتطلب على الأرجح موافقة كل من الكونغرس ومجلس إدارة بايت دانس.
ويرى فيسيسلاف جورجيف، أستاذ العلوم السياسية ومدير الدراسات الصينية في جامعة سيراكيوز، أن صفقة تيك توك قد تمثل في النهاية “انتصاراً باهظ الثمن”، مشيراً إلى أن خوارزمية تيك توك “فقدت الكثير من جاذبيتها” مع تطوير منصات التواصل الاجتماعي الأخرى لتقنيات مماثلة، وأن أي مشتر أمريكي “يحصل على حصة سوقية وقاعدة مستخدمين، وليس تقنية تحويلية”.
يضيف جورجيف أن “بالنسبة لبكين، هذا يجعل تيك توك تنازلاً قابلاً للتفاوض”، موضحاً أن “المسؤولين الصينيين سمحوا للمسألة بأن تستمر لسنوات، والاحتفاظ بها كمشكلة محتملة يمكنهم حلها لتخفيف الضغط من واشنطن”.
ويؤكد أن “المنافسة الحقيقية” تكمن في الوصول إلى التقنيات المتقدمة في مجالات مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.