برزت منطقة الباحة على مرّ العصور كمحطة مركزية في مسارات الحج والتجارة، لتُشكّل حلقة وصل مهمة بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، بين السهول والجبال، وبين الأسواق القديمة والبيت الحرام.
ولا تزال آثار هذه المسارات تنطق بتاريخ تجاوز الألفي عام، حافلٍ بالحركة والعبور والإيمان.
يوضح الدكتور أحمد بن قشاش الغامدي، الباحث في علم الآثار، أن من أبرز هذه المسارات هو “طريق الحج النجدي”، المعروف بـ “درب الفيل” أو “درب البخور”، الذي يعبر شرق منطقة الباحة.
يعود هذا الطريق إلى أكثر من ألفي عام قبل الإسلام، وكان معبرًا حيويًا للقوافل التجارية التي نقلت البخور واللبان من الجنوب العربي إلى الشمال، ثم تحول إلى طريق للحجيج، يسلكه القادمون من نجد وشرق الجزيرة نحو مكة المكرمة، مما يبرز مكانة الباحة كمفترق طرق حضاري وروحي.
الطريق الثاني، بحسب الدكتور الغامدي، هو “طريق الحج السروي”، الذي يتنقل بين قمم جبال السراة، ويمر بعدد من القرى البارزة مثل الحال، وبني سالم، وبني سعيد، وقرى زهران وبني مالك، قبل أن يتصل بمدينة الطائف وصولًا إلى مكة.
هذا الطريق لم يكن ممرًا للحجيج فقط، بل شريانًا نابضًا للحياة والعلاقات بين سكان الجبال والسهول، وتجسيدًا لتنوع التضاريس وعبقرية التكيف البشري مع البيئة.
درب الصدور.. طريق الرسول والشاهد على بدايات النبوة
أما الطريق الثالث، “درب الصدور”، فيكتسب أهمية خاصة من كونه أحد الطرق التي سلكها النبي محمد ﷺ في شبابه، متوجهًا إلى سوق حباشة في أعلى وادي قنونا، أثناء عمله في تجارة السيدة خديجة رضي الله عنها. ويمتد هذا الطريق عبر سهول تهامة العليا، ويخترق أسافل الجبال، ما يجعله من المسارات التجارية والدينية البارزة التي تداخل فيها المقدّس مع اليومي، والنبوي مع الإنساني.
شدد الدكتور الغامدي على أن هذه الطرق ليست مجرد مسارات قديمة، بل شواهد حية على تلاقي الثقافات والحضارات، ومرآة تعكس التفاعل البشري في محيطٍ ديناميكي عبر القرون.
ودعا إلى ضرورة توثيق هذه المسارات، ودراسة معالمها الأثرية، ودمجها في مشاريع السياحة الثقافية والتراثية، لما تحمله من رمزية دينية وتاريخية عظيمة.
وبهذا التاريخ الثري والموقع الاستراتيجي، تستحق منطقة الباحة أن تكون محطة مضيئة في سجل الحجيج، ومقصدًا للباحثين والمهتمين بجذور التاريخ، وذاكرة المكان التي لا تزال تنبض بالحياة على طرق الإيمان والتجارة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
عادات الأكل في السعودية.. ثقافة راسخة تعكس الهوية
أشهر 4 أكاذيب حول التاريخ الإسلامي
مهرجان أفلام السعودية.. ملاحم تاريخية تستحق التسجيل سينمائيًا