تعد القداحة من أهم الاختراعات في تاريخ البشرية، لما وفرته من ميزة الحصول على النار في أي وقت كعنصر أساسي في حياة الإنسان، بعد تاريخ طويل من البحث عن وسيلة لتوفير هذه الغاية.
وقد مرّ اختراع القداحة بتاريخ طويل من الإسهامات البشرية التي جعلت الحصول على النار أمراً يسيراً، وصولاً إلى شكلها الحالي الذي جعل النار حاضرة في جيب الإنسان بمجرد «ضغطة زر».
اكتشاف بدّل حياة البشر
تنبع قيمة ولاعة الجيب من قيمة النار التي جاء اكتشافها ليغير حياة البشر على وجه الأرض، إذ يعود اكتشافها إلى أكثر من مليون عام من عمر الإنسان، حيث تتعدد الدراسات العلمية بشأن طريقة اكتشافها، فبعضها يعتقد أنه جرى اكتشاف النار عن طريق البراكين أو الصواعق، فيما ترى أخرى أنها ربما اُكتشفت عن طريق الحرائق الناجمة عن حرارة الشمس.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح اكتشاف الإنسان لأهمية النار أساساً لحياته، فباتت وسيلة التدفئة والطهي والإضاءة وغيرها من المتطلبات الحياتية التي تتوقف على النار، لذا كان توفيرها بمثابة غاية أساسية للإنسان، لطالما بحث عنها بشتى الطرق البدائية في العصور القديمة.
اختراع القداحة
ظل الإنسان يبحث بشتى الطرق عن توفير مصدر دائم لإشعار النار يكون بديلا عن معاناة الطرق التقليدية، إلى أن تمكن من تحقيق هذا الإنجاز بعد مرور آلاف السنين، من خلال اختراع أول قداحة في العالم.
جاء اختراع القداحة في العام 1823م، من قبل الكيميائي الألماني يوهان دوبرينير، ما منحها في بادئ الأمر اسم «مصباح دوبرينير»، إذ كانت تعمل بتفاعل الهيدروجين مع إسفنجة من البلاتين المحفز للاشتعال، لإطلاق كمية كبيرة من الحرارة.
تمكّن الإنسان باختراع «قداحة دوبرينير»، ليس فقط من إشعال النار في أي وقت، بل وحملها في جيبها أيضاً، لكن استخدامها اقتصر على طبقة الأثراء وحدها، نظراً للتكاليف الباهظة لإنتاجها؛ ما جعلها لا تلقى انتشاراً كبيراً
بداية قداحة اليوم
ظلت القداحة اختراعاً محصوراً على الأغنياء، إلى أن جاء العام 1903م، حين تمكن النمساوي كارل فون، من الحصول على براءة اختراع سبيكة الفيروسيريوم، التي مثلت الشكل الأولي لقداحة اليوم، حيث مكنت الإنسان من توليد النار من خلال خدش حجر القداحة لتوليد شرارة كبيرة تؤدي لإشعال الغاز الموجود في مخزنها، ومن ثم الحصول على النار.
وتطورت القداحة بمرور الوقت؛ فجرى تقليص حجمها بعد استبدال قطعة البلاتينيوم الثمينة بحجر الصوان، الذي يولد الشرارة من الاحتكاك. كما ازداد الإقبال عليها جراء انتشار ظاهرة تدخين التبغ بمختلف دول العالم، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
تطور مستمر
تطورت صناعة القداحات بشكل سريع مع حاجة الإنسان لها، ففي عام 1932م، تمكن العالم جورج غرانت، من اختراع قداحة باسم «زيبو» جرى فيها استبدال الهيدروجين وتفاعلاته بالوقود السائل الخفيف المعروف بـ “النافثا”، وفي أحيان أخرى كانت تُزود بالكيروسين.
وبحلول الخمسينات، شهد وقود الولاعات تغيرا من النافثا إلى غاز البيوتان، الذي يتميز بأنه سريع الاشتعال ويوفر شعلة عالية، وليس له رائحة أو لون، فضلاً أنه يتميز بسهولة الإسالة والتعبئة.
وجاءت حقبة السبعينات وتحديدا عام 1972م، بقداحة «BIC» التي تميزت بقدرتها على منع تدفق عاز البوتان خارج حجرة الاحتراق من خلال ابتكار صمام مخصص لهذا الهدف، وذلك بمجرد رفع إصبع اليد عن زر الاشتعال.
وتشهد صناعة القداحات في العصر الحالي، تطورا واسعاً، حيث ظهرت القداحات ذات الشرارة الكهربائية وتلك التي تعمل بالإشعال الذاتي وغيرها من طرق سهلة وبسيطة للحصول على النار.
قصة نجاح IBM.. عقود في القمة واختراعات لا تتوقف