للتاريخ العالمي المُعاصر، جذور تصنع أحداثه، وشخصيات أسست لتوجهاته، من بينهم فلاديمير لينين، أهم زعماء الحركة الشيوعية العالمية، والمُنظر الأساسي للثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي السابق -أو روسيا حاليا-، ومؤسس سياسة التأميم وإعادة توزيع الأراضي والثروة، وأيديولوجيا القمع من أجل بقاء المذهب اللينيني والفكر الماركسي.
ويعد «لينين»، أحد أهم الزعماء في القرن العشرين، نظراً لتأثيره الكبير على الاشتراكيين في مختلف أنحاء العالم، بعدما استلهم أفكار الفيلسوف الألماني كارل ماركس، في تأسيس الدولة السوفيتية الشيوعية التي استطاعت أن تحوذ القوة وتكون التحالفات شرقاً وغرباً تحت شعار التوزيع العادل للموارد أو ما عرف بـ “الأرض والخبز والسلام”.
المولد والنشأة
ولد فلاديمير ألييتش أوليانوف، المُلقب بـ «بلينين»، في يوم 22 أبريل عام 1870م، في بلدة سيمبيرسك بروسيا. لأب كان يعمل مديراً لمدرسة البلدة ذاتها، بينما كان شقيقه ثورياً فوضوياً.
وأظهر تميزاً في دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة أثناء تلقيه تعليمه الأساسي، في مدرسة خاصة عام 1879م، حيث أنهى دراسته لاحقاً بتفوق، ليلتحق بعدها بكلية القانون عام 1887م، في مدينة قازان عاصمة تترستان، لكنه سرعان ما طـُرد بسبب نشاطه السياسي، لينتقل إلى الدراسة في جامعة سانت بطرسبورغ، عام 1893م، حيث حاذ على شهادته العليا في القانون.
العمل
نجح «لينين»، في الوصول سريعاً إلى أروقة السياسة بقدراته الذهنية والعلمية والفلسفية، حيث عمل لفترة قصيرة في منظومة القضاء القيصرية بروسيا، قبل أن يتولى رئاسة مجلس نواب الشعب في جمهورية روسيا الاشتراكية الفدرالية السوفياتية بين عامي 1917-1924م، كما تولى في 1923-1924 رئاسة مجلس نواب الشعب بالاتحاد السوفياتي.
مُنظر للثورة
تأثر «لينين»، كثيراً بإعدام شقيقه ألكسندر الذي حاول اغتيال القيصر في عام 1887، ما دفعه إلى توجيه دفته السياسية من محدودية العمل الفردي إلى الرهان على الحشد الجماهيري، واصفاً هذا التوجه بمقولته الشهرية: “نحن لن نسلك هذا الطريق”؛ لينخرط بعدها في إرساء قواعد مذهبه اللينيني من أجل توجهه في تحرير الطبقة العاملة عام 1895م.
وتسبب توجهه الاشتراكي في اعتقاله، ثم نفيه في عام 1897م، إلى سيبيريا لمدة ثلاث سنوات، ليقرر بعدها الهرب من روسيا إلى ميونيخ في ألمانيا، عام 1900م، هرباً من مضايقات أجهزة الأمن القيصرية.
وسرعان ما بدأ في الإعداد للثورة الاشتراكية التي أطاحت بالنظام البرجوازي واقتلعت آثار النظام القيصري، من خلال إصدار صحيفة “الشرارة” عام 1903م، وترأس حزب البلاشفة أثناء المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وذلك خلال تواجده في المهجر، قبل أن يعود لقيادة الثورة عام 1917م.
ومع قيادته للثورة البلشفية، انُتخب« لينين» في العام نفسه رئيساً لمجلس نواب الشعب، ثم عُين عضواً في اللجنة المركزية التنفيذية للحزب الحاكم عام 1919م.
وسعى في حماية الدولة السوفيتية الوليدة من خلال دفع الأخطار عنها عبر عقد صلح بريست مع ألمانيا، ليسهم بذلك في حماية المكتسبات الأولية للثورة الاشتراكية، إذ كان يرى أن النظام الاشتراكي والقضاء على الملكية الخاصة هما سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية.
ونبعت نظرته للعدالة الاجتماعية من خلال تكوينه الفكري الذي تشبع بالنظرية الماركسية التي ساهم بدوره في تطويرها بشكل لافت لدرجة أنه منحها بُعداً خاصاً عُرف فيما بعد بـ”الماركسية اللينينية”.
وأدت أفكار «لينين»، إلى غضب معارضي التوجه الاشتراكي، ليتعرض بعدها إلى محاولة اغتيال عام 1919م، تسبب في إصابته بجروح خطيرة، يُعتقد أنها كانت سبباً في تفاقم مرضه عام 1922م، وبداية انعزاله السياسي لاحقاً.
إرث فكري
ألف لينين، مكتبة من عشرات الكتب الفكرية والسياسية والاقتصادية، التي شكلت بدورها توجهاً ثورياً جذب المؤيدين عبر العالم، ووغير مجرى التاريخ خلال القرن الماضي، من بينها: مؤلفه “ما العمل؟” الذي أصدره عام 1901م ليوضح به أسس بناء حزب سياسي فكريا ونظريا، و كتاب “المادية والنقد التجريبي” الذي صدر عام 1908م شاملاً تطويراً فكريا للأسس الفلسفية الماركسية، وكتاب “الإمبريالية أعلى مرحلة في تطور الرأسمالية” الذي صدر عام 1916م متضمناً قوانين تطور الرأسمالية وما رأه من التحولات الثورية وفرص قيام نظام اشتراكي في دولة أو عدة دول فضلا عن الرد على نظريات بعض المفكرين اليساريين الذين نظّروا لثورة عالمية شاملة في كافة أنحاء العالم.
الوفاة
توفي لينين، في يوم 21 يناير عام 1924، وحُنّط جسده ووضع في ضريح بالساحة الحمراء وسط موسكو، ليكون مزارا للمعجبين به، فيما انتشرت تماثيله في مختلف أرجاء الاتحاد السوفيتي السابق.
في ذكرى انهياره .. أسباب تفكك الاتحاد السوفيتي