يواصل العداؤون في سباقات التحمل الطويلة كسر الحدود البشرية، إذ قطع العداء الأمريكي «هارفي لويس» في أكتوبر 2023 مسافة 724 كيلومترًا خلال 108 ساعات، في سباق من نوع «الباك يارد ألترا»، متحديًا بذلك الزمن ومتطلبات الجسد.
وخاض لويس السباق، الذي يعتمد على قطع مسافة 6.7 كيلومترًا كل ساعة حتى يتخلى جميع المتنافسين عن الاستمرار، مستندًا إلى دقائق قليلة فقط بين الجولات لالتقاط أنفاسه وتلبية حاجاته البيولوجية، وبينما حطم إنجازه اللافت الرقم القياسي السابق، فإنه فتح أيضًا باب التساؤلات حول المدى الذي يمكن أن يبلغه الإنسان دون توقف، وهو ما يثير اهتمامًا متزايدًا في ظل ارتفاع أعداد المشاركين في هذه السباقات بنسبة بلغت 1676% بين عامي 1996 و2020، وفقًا لما نشره موقع «Live Science».
ما الحد الأقصى لقدرة الإنسان على الركض من دون توقف؟
يعود غياب رقم رسمي معتمد لأطول مسافة يمكن للإنسان أن يركضها دون انقطاع، إلى طبيعة هذه الرياضة ذات الاستراحات القصيرة. ومع ذلك، حقق العداء «دين كارنازيس» رقمًا غير رسمي عام 2005 بقطع 563 كيلومترًا في 80 ساعة دون نوم.
وتبرز هذه المحاولات حدودًا جسمانية ونفسية تتداخل في رسم السقف الأقصى لقدرة الإنسان على التحمل، وهو ما يؤكده «دانييل ليبرمان»، أستاذ علم الأحياء التطوري بجامعة هارفارد، بقوله: «الأمر في النهاية يتعلق بالرغبة، فالعقل هو الذي يضع حدود قدرة التحمل لدينا».
من جانبه، يوضح «غيوم ميليه»، عالم وظائف الأعضاء بجامعة جان مونيه في فرنسا، أن البشر يتمتعون بسمات بدنية تميزهم عن معظم الكائنات في سباقات المسافات الطويلة، مثل امتلاك عضلات ألوية كبرى قوية تعزز الحركة للأمام، وأربطة رقبة تثبت الرأس أثناء الركض، بالإضافة إلى قدرة متميزة على تبريد الجسم من خلال التعرق، ما يمنحهم تفوقًا في البيئات الحارة.
إلى أي مدى يؤثر الجسد في تحديد النهاية؟
رغم هذه المزايا، يبقى الجسد هو القيد الأساسي. فالإصابات، والإجهاد العضلي، ونقص الطاقة، وحاجات الإنسان البيولوجية، كالذهاب إلى الحمام، تمثل عوامل حاسمة في تحديد اللحظة التي يتوقف فيها العداء. وهو ما أشارت إليه «جيني هوفمان»، عالمة الفيزياء العداءة وحاملة الرقم القياسي لأسرع عبور نسائي للولايات المتحدة على الأقدام خلال 47 يومًا و12 ساعة و35 دقيقة، بقولها: «أعتقد أن التبول هو العائق الأكبر أمام الركض دون توقف».
كيف يستعد العداؤون لمواجهة هذه التحديات؟
يتطلب التحضير لسباقات التحمل برامج تدريب مكثفة تمتد لأشهر، يتدرج خلالها المتسابقون في زيادة المسافات، لتقوية عظامهم وعضلاتهم، كما فعلت هوفمان عندما ركضت 322 كيلومترًا أسبوعيًا قبل سباقها القاري.
علاوةً على ذلك، يستعد المتنافسون نفسيًا لمواجهة الألم والإرهاق؛ لأن التحمل العقلي لا يقل أهمية عن اللياقة البدنية.
هل تجاوز الإنسان ما خُلق له؟
رغم قدرات التحمل الفريدة، يشير «ليبرمان» إلى أن البشر لم يُصمموا لقطع تلك المسافات الخارقة، مضيفًا: «أسلافنا ركضوا لمسافات طويلة بحثًا عن الغذاء، لكن ليس إلى هذه الحدود القصوى».
تلك المسافات الخيالية تعد تطرفًا لقدرات فطرية تطورت عبر الزمن، استغلها الرياضيون اليوم لكسر قيود المألوف.
ما المستقبل الذي ينتظر سباقات التحمل؟
ينبئ تزايد الإقبال على هذه السباقات بمزيد من الأرقام القياسية. فمع ارتفاع أعداد المشاركين سنويًا، تظهر وجوه جديدة تختبر حدودها، وقد تتخطى تلك الإنجازات الراهنة.
لكن، يظل السؤال: إلى متى يمكن للجسد البشري الصمود؟ وما الثمن الذي يدفعه العداء مقابل ذلك؟ الإجابة تظل مرهونة بمزيج من التدريب، والإرادة، وحدود لم تُكشف بعد.