شهدت القارة الآسيوية منذ عام 1990 تحولات ديموغرافية كبيرة جعلتها أحد المحاور الرئيسية في دراسة التغيرات السكانية العالمية، إذ ارتفع عدد سكان العالم بمقدار ثلاث مليارات نسمة، وكان لنصف هذه الزيادة دور محوري في آسيا وحدها.
ولكن، كيف تغيرت أعداد السكان في دول القارة؟ وهل كانت هذه التغيرات متساوية بين الدول؟
على الرغم من أن معظم البلدان الآسيوية شهدت زيادة كبيرة في تعداد السكان، فإن بعضها تفوقت في نسب النمو.
بين الزيادة والنقصان
ففي منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، كانت الطفرات السكانية ملحوظة بشكل خاص، حيث سجلت قطر والإمارات والسعودية زيادات سكانية تجاوزت أضعافًا عديدة.
على سبيل المثال، شهدت قطر ارتفاعًا في عدد سكانها بنسبة مذهلة بلغت 537%، بينما سجلت الإمارات زيادة تقدر بـ398%، ما يعكس حالة غير مسبوقة من النمو السكاني الذي تزامن مع التحولات الاقتصادية التي شهدتها المنطقة.
أما في باقي أنحاء آسيا، فتواصلت الزيادة السكانية بشكل عام، حيث إن الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم، سجلت زيادة بنسبة 62%، فيما شهدت الصين، التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان، نموًا نسبته 24%. من جهة أخرى، تجاوزت إندونيسيا حاجز الـ50%، كما أضافت باكستان حوالي 102% إلى تعدادها السكاني، مما يعكس اتساعًا ديموغرافيًا متسارعًا.
لكن لم يكن الوضع مشابهًا في جميع الدول، إذ شهدت بعض البلدان تراجعات سكانية بسبب الحروب والنزاعات. فبينما تأثرت بعض دول المنطقة بنمو هائل في عدد السكان، كانت أرمينيا وجورجيا استثناءً، إذ شهدت كلاهما انخفاضًا في تعداد السكان بسبب النزاعات المسلحة المستمرة، ما تسبب في آثار اقتصادية اجتماعية سلبية وزيادة في هجرة السكان.
طفرات اقتصادية
مع هذه الطفرات السكانية، لم تقتصر التغيرات على الجانب الديموغرافي فحسب، بل امتدت أيضًا إلى الاقتصاديات الآسيوية.
فعلى الرغم من أن النمو السكاني كان دافعًا رئيسيًا لزيادة الطلب على السلع والخدمات في العديد من الدول، خاصة في الصين والهند، فإن هذا التوسع في السكان ساهم في زيادة حصة آسيا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لتصل إلى 36%، متفوقة بذلك على أمريكا الشمالية التي كانت حصة ناتجها 31%.
ولكن في الوقت ذاته، ما تزال العديد من المناطق الآسيوية تواجه تحديات جسيمة في مجالات الأمن الغذائي والفقر والصراعات الداخلية. فمع تراجع معدلات الخصوبة في بعض الدول المتقدمة في القارة، وتزايد أعداد كبار السن، بدأت تظهر معضلة جديدة تتعلق بنهاية «العائد الديموغرافي».
ففي حين انخفضت معدلات المواليد في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الأنظمة الاجتماعية قد تواجه صعوبة في الاستجابة للطلبات المتزايدة من الفئات العمرية المتقدمة، ما يعرضها لضغوطات متزايدة على شبكات الأمان الاجتماعي.
غير أن هذه الزيادة السكانية المتسارعة هي سيف ذو حدين، فبينما ساعدت على دفع عجلة النمو الاقتصادي في العديد من الدول، فإنها تبرز التحديات التي تواجهها القارة في المستقبل، لتعيد تسليط الضوء على ضرورة الاستعداد للتغيرات المستقبلية التي قد تكون أكثر تعقيدًا، وتستدعي حلولًا مستدامة تراعي كافة أبعاد التحولات السكانية.