لاحظ الباحثون في أواخر عام 2020، بعد الإغلاق المرتبط بتفشي جائحة “كوفيد-19” زيادة أعداد الفتيات الصغيرات اللاتي يذهبن للمستشفيات، مع علامات واضحة على البلوغ في سن مبكرة.
اكتسب البلوغ المبكر اهتمامًا كبيرًا من الأطباء والباحثين لأول مرة في التسعينيات، حيث أصبح ظهور علامات النضج المبكر على الفتيات بعمر 8 أعوام والذكور في أصحاب الـ 9 سنوات شائعًا.
في ذلك الوقت، كان من الصعب على الباحثين عزو البلوغ المبكر إلى سبب بعينه، لكن الارتفاع الغامض في أعداد المتأثرين بالظاهرة خلال الجائحة أتاح للخبراء فرصة جديدة لإعادة النظر في الأمر على أمل الحصول على إجابة.
سبب زيادة أعداد البالغين في وقت مبكر
عملت المؤسسات الصحية على حصر الحالات، ونتج عن ذلك اكتشاف أن الكثير من المناطق حول العالم شهدت تضاعف أعداد من تم تشخيصهم بالبلوغ المبكر، وفي مقاطعة خنان الصينية وحدها، لاحظ الأطباء في 22 منشأة تنامي عدد الحالات بمقدار 5 أضعاف، مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
تظهر الأبحاث الأخيرة أن هناك مجموعة العوامل تتسبب بتعرض الأطفال إلى البلوغ المبكر، والتي تشمل الإجهاد والصدمات، والنظم الغذائية السيئة، وقلة ممارسة الرياضة، خاصة في حالات زيادة الوزن.
أوضح الباحثون أن تدابير الوباء في العديد من البلدان وضعت هذه الضغوط على أعداد ضخمة من الأطفال، مما ساهم في ارتفاع معدلات البلوغ المبكر.
وأشار الباحثون أن بعض الحالات تحدث نتيجة لأسباب وراثية أو غير طبيعية، مثل ورم المبيض الذي يتسبب في إنتاج الهرمونات.
كما تمثّل السمنة العامل الأهم في الكثير من حالات البلوغ المبكر، خاصة لدى الفتيات، نظرًا إلى الأنسجة الدهنية تنتج هرمون “اللبتين”، الذي يسرّع حدوث الحيض.
قال محمد مغني، رئيس عيادة الأطفال في معهد “جيانينا جاسليني” في جامعة “جنوة” في إيطاليا: “عندما لاحظت ارتفاع سن البلوغ المبكر لدى الفتيات الصغيرات في عام 2020، فكّرت أولًا في تغييرات نمط الحياة المتعلقة بالعزلة الاجتماعية”.
نشر مغني دراسة في مجلة جمعية الغدد الصماء في أغسطس 2023، بحث فيها في تأثير التغييرات في نمط الحياة كعوامل مساهمة في حدوث البلوغ المبكر، التي تشمل عادات الأكل السيئة، وانخفاض الحركة، وضعف النوم، ومشاهدة ما يعرض على الشاشات لوقت طويل.
وجدت الدراسة التي اعتمدت على تحليل بيانات أكثر من 100 فتاة يشتبه في أنهن يعانين حالة البلوغ المبكر، أنه من بين المرضى الذين تم فحصهم خلال الأشهر الـ 15 الأولى من الوباء، أوقف ما يقرب من 90% منهم كل نشاط بدني، وهو ما يعتقد أنه السبب الرئيسي.
عبء البلوغ المبكر
تقول سينا أورسديمير، أخصائية الغدد الصماء للأطفال في مستشفى الأطفال بجامعة “لوما ليندا” الأمريكية، والتي ألفت ورقة بحثية لعام 2019 تستعرض خيارات العلاج للبلوغ المبكر إن “التغيّر في جسد الفتاة في مرحلة البلوغ يمكن أن يمنح الفتيات في نظام المدارس الأمريكي اهتمامًا غير مرغوب به”.
وتضيف أورسديمير: “تشعر بعض الفتيات بانزعاج بينما تشاهد جسدها وهو يتطوّر، وفي هذه السن، لا يكن ناضجات بما يكفي للتعامل مع الأمر، فيتعرضن لضغط كبير”.
تم ربط البلوغ المبكر باضطرابات المزاج وبعض المشكلات السلوكية، وفضلًا عن التداعيات النفسية، يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى تعريض الأطفال للخطر بعد سنوات، حيث يصبحون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وأنواع معينة من سرطانات الإنجاب.