بدأت وزارة النقل والخدمات اللوجستية تركيب لوحات حديثة بمداخل المدينة المنوّرة، وعلى امتداد طريق الملك عبدالله، كُتبت جميعها بالخط المدني.
وأصبح الخط المدني، الذي يمثّل جزءًا أصيلًا من الحضارة العربية، يزيّن لوحات الطرق الإرشادية في الشوارع الرئيسية والطرق العامة بالمدينة المنورة، بهدف تعزيز مكونات الهوية البصرية، وتحسين المشهد الحضري.
في هذا التقرير، نصحبكم في رحلة عبر التاريخ، تحكي عن أصل الخط المدني وتطوّره، منذ أن كان يُكتب بخط اليد في عهد النبوة، إلى أن أصبح يُدوّن رقميًا في العصر الحالي.
أصل “الخط المدني”
تميّز “الخط المدني” عن غيره من الخطوط العربية القديمة بأنه استُخدم في كتابة القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمراسلات النبوية مع الملوك، وظلّت الكثير من النقوش تحمل عبارات مكتوبة به على الصخور وسفوح الجبال.
ويعد النديم أول من أشار إلى تسمية الخطين المكي والمدني في كتابه “الفهرست” نقلًا عن محمد بن إسحاق الذي قال: “أول الخطوط العربية: الخط المكي، ثم المدني، فالبصري، والكوفي”.
ووصف النديم الخطّين المكي والمدني بقوله: “فأما المكي والمدني ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع، وفي شكله انضجاع يسير”.
وبحسب وثائق تاريخية لدى دارة الملك عبدالعزيز فقد أدخل أبو الأسود الدؤلي إصلاحًا على الكتابة الحربية حين بدأ بإعراب القرآن الكريم بوضع نقطة حمراء فوق الحرف علامة على الفتحة وأسفله علامة على الكسرة، وعلى يساره علامة على الضمة ونقطتين معاً للتنوين، وكان ذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان.
وحث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على تعلم الكتابة في المدينة المنورة، إذ قال ابن عبد البر في “الاستيعاب”: إن عبد الله بن سعيد بن العاص قال: “أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّمَ الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا محسنًا”.
ولم تنتشر الكتابة العربية في المدينة المنورة إلا بعد الهجرة النبوية بأكثر من سنة، ووصل عدد الكتّاب في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى 42 رجلاً .
وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، فقد تم تدوين السنة النبوية الشريفة تحقيقًا لرغبة جدّه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أبرز سمات الخط المدني
أوضح عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية في جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن، الدكتور إدهام محمد حنش، أن الخط المدني يمتاز بصفات جمالية وخصائص فنية معينة، أبرزها استطالة الامتدادات الأفقية للحروف، وضيق ما بين سطور الكتابة المتتابعة، وقصر حروفها الصاعدة، وتداخل بعض الحروف في بعضها الآخر، وتركيب بعضها على بعض أحيانًا.
وأشار الدكتور إدهام محمد حنش أن هذه الخصائص الجمالية والفنية والوظيفية كان لها دور واضح في جعل بعض فقهاء اللغة والكتابة والخط يطلقون عليه اسم: الخط الكوفي الأول، فيما يطلق بعض الباحثين المعاصرين عليه أسماء عدة منها: الكوفي القديم أو البسيط، أو خط المشق المصحفي، أو الخط الكوفي المشق، أو مشق المصاحف.
جهود مستمرّة للحفاظ على النقوش والمخطوطات المكتوبة بالخط المدني
تضم المدينة المنورة الكثير من النقوش الإسلامية المبكرة على صخور جبالها وضفاف أوديتها وعلى طرق القوافل القديمة التي تمر بها، ويميزها عن غيرها من النقوش أن أكثرها هي لأهل المدينة المنورة أو ممن استقر بها.
ومما يزيدها أهمية أن تاريخ هذه النقوش أن بعضها يعود إلى القرن الأول الهجري، ومنها نقوش مؤرخة وأخرى يمكن تحديد تاريخها بالرجوع إلى نسب الناقش في كتب التراجم.
وتتنوع نقوش منطقة المدينة المنورة ما بين آيات قرآنية، وأدعية، ورسائل، وشعر، ونقوش إخبارية، وهذا التنوع الثري جعلها مصدرًا مهمًا للعلماء، والباحثين في دراستهم للخط العربي وتطوره وبخاصة الخط المدني.
ويقوم مركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية التابع لدارة الملك عبدالعزيز، بمهام المحافظة على الوثائق والمخطوطات القديمة والاعتناء بها، والتي تشمل مجموعة من المخطوطات المكتوب بالخط المدني.
وتحتفظ مكتبات عالمية بنسخ من المصحف الشريف كتبت بالخط المدني من أبرزها : مكتبة باريس الوطنية في فرنسا، ومكتبة جامعة ليدن في هولندا، ومكتبة جامعة برمنجهام في بريطانيا، ومكتبة برلين في ألمانيا.
تحوّل الكتابة بالخط المدني إلى الأساليب الرقمية
قال المختص في الطباعة الرقمية، سليمان بن عبدالله الميمان، إن الخط المدني هو أساس ومصدر إلهام جميع الخطوط المتعارف عليها اليوم من النسخ والرقعة والثلث والديواني.
وأشار الميمان أنه يعمل مع دارة الملك عبدالعزيز على تنفيذ “مشروع الخط المدني المحوسب”، موضحًا أنه يهدف إلى إحياء تقاليد الخط المصحفي المدني وجماليته وإتاحتها للطباعة الإلكترونية ومواءمتها لتقنيات عصر الأجهزة الذكي.
وأضاف أن المشروع يقوم على دراسة وتحليل دقيق للحروف الأبجدية في المصاحف القديمة المكتوبة بالخط المدني، وهو على نوعين أو عائلتين من الخطوط، النوع الأول يحافظ على شكل الخط اليدوي في المصاحف القديمة طبق الأصل، ويصلح لكتابة العناوين الرئيسة، وعناوين أغلفة الكتب واللوحات القرآنية وغيرها، والنوع الثاني هو الخط المدني المعاصر، وهو يأخذ نهج الخط المصحفي المدني القديم ولكن بروح عصرية مخصص لكتابة الرسائل والكتب وتحريرها وذا مقروئية عالية.
هل تم فتح باب الكعبة ليراها المصلّون من الداخل؟
ما هو برنامج تمويل قطاع الأفلام بالمملكة؟ وما هي المراحل التي يدعمها؟
ما معنى عبارات النقش الأثري الذي اكتشفته هيئة التراث في “الحقون”؟