logo alelm
لابوبو.. من وحش صغير إلى أيقونة عالمية واتهامات بتمثيل شيطاني

على مدار الشهور القليلة الماضية، تحولت دمية “لابوبو” إلى ظاهرة عالمية تجتذب الكثير من المستهلكين ومن بينهم مشاهير العالم، وما أثار الجدل حولها هو ربطها بقصص تتعلق بتمثيلها لقوى شيطانية قديمة من الأساطير.

وحصلت لابوبو على شعبيتها العالمية على الرغم من كونها دمية كسرت معايير الجمال التقليدية التي كان يتم اتباعها في مثيلاتها من الدمى الحائزة على انتشار واسع على غرار “كيتي”. وتمكنت لابوبو ذات الأذنين الضخمتين والابتسامة العريضة التي تكشف عن تسع أسنان حادة من تحقيق مبيعات خيالية على مستوى العالم.

نشأة لابوبو.. الفنان ووحوش طفولته

عمل فنان من هونغ كونغ مقيم في بلجيكا يُدعى كاسينغ لونغ على تصميم لابوبو منذ عقد من الزمن. ولم تكن الدمية وليدة مصنع ألعاب يسعى للربح السريع، بل هي جزء من عالم متكامل ابتدعه لونغ عام 2015 ضمن سلسلة قصصية مصورة أطلق عليها اسم “الوحوش” (The Monsters). وتعود جذور هذا العالم إلى طفولة لونغ نفسه؛ فبعد انتقاله إلى هولندا في سن السابعة، وجد في كتب الحكايات الخرافية الأوروبية، خاصة الإسكندنافية، وسيلة لتعلم اللغة الهولندية وملاذًا لخياله. تلك القصص المليئة بالجن والعفاريت والمخلوقات الغريبة هي التي شكلت وعيه الفني، وبعد سنوات، استلهم منها شخصياته الفريدة، وعلى رأسها “لابوبو”.

وبحسب ما نشرته شبكة CNN، فإن لابوبو لم تُصمم لتكون “جميلة” بالمعنى التقليدي، بل لتكون تجسيدًا لسحر “القبيح واللطيف” (ugly-cute). ويقول أرشيف  “بوب مارت وورلد”، الشركة المصنّعة للدمية” إنها شخصية مشاغبة، لكنها طيبة القلب ومستعدة دائمًا للمساعدة، حتى لو أدت نواياها الحسنة إلى الفوضى. هذا المزيج من البراءة والتمرد هو ما منحها عمقًا عاطفيًا، وجعلها تبرز في سوق مشبع بالشخصيات المثالية والمصقولة، لتلامس وترًا حساسًا لدى جيل يبحث عن التعبير الصادق عن الذات أكثر من المظهر الخالي من العيوب.

لابوبو تقود إمبراطورية بمليارات الدولارات

ظلت “لابوبو” لسنوات شخصية محبوبة في نطاق محدود حتى جاءت نقطة التحول الكبرى بالتعاون مع شركة “بوب مارت” (Pop Mart) الصينية. اشتهرت هذه الشركة بنموذج “الصناديق العمياء”، حيث يشتري المستهلك صندوقًا مغلقًا لا يعرف أي دمية من المجموعة سيحصل عليها. أضاف هذا العنصر من المفاجأة والتشويق بعدًا جديدًا للتجربة، وحوّل عملية الشراء إلى ما يشبه “المراهنة على القدر”، كما وصفتها إحدى المشتريات.

ومنذ إطلاقها حققت لابوبو نجاحًا مدويًا، ففي عام 2024، بلغت إيرادات مجموعة “الوحوش” ما قدره 419 مليون دولار، بزيادة سنوية مذهلة تجاوزت 726%. وبحلول يونيو 2025، قُدرت قيمة “بوب مارت” بحوالي 44 مليار دولار، متجاوزة عمالقة صناعة الألعاب مثل “ماتيل” (مبتكرة باربي) و”هاسبرو”. وتحولت “لابوبو” من مجرد دمية إلى أصل فكري مربح للغاية، حتى إن بنك “جي بي مورغان تشيس” وصفها بأنها “هيلو كيتي التالية”.

ولم يقتصر النجاح على الأرقام، بل امتد ليصبح ظاهرة عالمية. اصطفت الجماهير في صفوف طويلة أمام متاجر “بوب مارت” من لندن إلى لوس أنجلوس، ونفدت السلاسل الجديدة من الصناديق العمياء فور صدورها في الصين. كما ارتفعت قيمة الدمى في سوق إعادة البيع، حيث بيعت الإصدارات الشائعة بثلاثة أضعاف سعرها الأصلي، بينما وصلت أسعار النسخ النادرة إلى 600 دولار.

وما زاد من وهج لابوبو هو ظهورها بين أيدي مشاهير عالميين مثل ريهانا، كيم كارداشيان، وديفيد بيكهام، الذين حولوها إلى إكسسوار عصري يزين حقائبهم. كما اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، حيث استُخدم وسم #labubu في ملايين مقاطع الفيديو على تيك توك، مما خلق حولها مجتمعًا إبداعيًا من المعجبين الذين يصممون لها ملابس وإكسسوارات، بل ويجرون لها تعديلات تجميلية طريفة.

هل تجسًد “لابوبو” الشيطان “بازوزو”؟

في خضم هذا النجاح الساحق، بدأت رياح غريبة تهب من زوايا الإنترنت المظلمة. في يوليو 2025، انتشرت منشورات على فيسبوك وتيك توك وإنستغرام تربط بين دمية “لابوبو” وشيطان قديم من أساطير بلاد ما بين النهرين يُدعى “بازوزو”. حذرت هذه المنشورات الآباء من شراء “اللعبة الشيطانية” لأطفالهم، مستشهدة بصور مُولّدة بالذكاء الاصطناعي للشيطان إلى جانب صور الدمية لإظهار تشابه مزعوم.

كان الدليل الأبرز الذي استندت إليه هذه الادعاءات هو مقطع من حلقة هالوين قديمة لمسلسل “عائلة سيمبسون”، يظهر فيها “هومر سيمبسون” وهو يستقبل دمية “بازوزو” في منزله، مما يؤدي إلى استحواذ شيطاني على ابنته الرضيعة “ماجي”. وبما أن المسلسل الكرتوني اشتهر بقدرته على “التنبؤ بالمستقبل”، اعتبر البعض هذا المقطع دليلاً قاطعًا.

لكن عند تفكيك هذه الادعاءات بشكل تحليلي، نجد أنها تفتقر إلى أي أساس متين، خصوصا أن الموسوعة البريطانية تؤكد أن بازوزو كان يُنظر إليه أحيانًا على أنه حامي ضد الشر، وليس الشر الخالص نفسه. وما ينفي تلك الادعاءات هي تأكيد المبتكر كاسينغ لونغ مرارًا أن إلهامه جاء من الفولكلور الأوروبي الشمالي والإسكندنافي. في المقابل، ينتمي “بازوزو” إلى أساطير بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا)، وهي منطقة لا علاقة لها بمصادر إلهام الفنان.

ومن الناحية الجسدية، لا يوجد أي تشابه بصري حقيقي بين لابوبو والشيطان بازوزو. إذ إن “لابوبو” هي مخلوق لطيف يشبه الأرنب بابتسامة عريضة. أما “بازوزو”، فيُصوَّر في النقوش القديمة ككائن مرعب له وجه كلب أو أسد، وجسم متقشر، ومخالب طير، وأجنحة. أما في السياق الثقافي، فلم يكن “بازوزو” شيطانًا معروفًا في الثقافة الشعبية لولا ظهوره كالكائن الذي استحوذ على الفتاة “ريغان ماكنيل” في فيلم الرعب الشهير “طارد الأرواح الشريرة” (The Exorcist) عام 1973.

وبشكل عام، يبدو أن الرابط بين “لابوبو” و”بازوزو” هو نتاج خالص للتكهنات والمعلومات المضللة التي وجدت في خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للانتشار. وُعد هذا الجدل حولها بمثابة حالة كلاسيكية من الهلع الأخلاقي الرقمي، حيث يتم تشويه منتج ثقافي ناجح وربطه بالشر دون أي دليل ملموس، مدفوعًا بمزيج من نظريات المؤامرة والتفسيرات الدينية المتطرفة. وعلى الرغم من أن شركة “بوب مارت” لم ترد رسميًا، إلا أنها نشرت “إشعار استدعاء” ساخرًا في كذبة أبريل حول نشاط خارق للطبيعة مرتبط بالدمى، وهو ما قد يكون قد أضاف وقودًا للنار عن غير قصد.

اقرأ أيضًا:

أغلى دمى الأطفال في العالم
لماذا فتحت دمية باربي المصابة بمتلازمة داون باب الانتقادات على الشركة المنتجة؟
فيديو .. موقف عنصري لدمية “عالم سمسم” يثير غضب الأمريكيين

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

أعلى 10 دول في المساواة بين الرجل والمرأة

المقالة التالية

“متحالفون” تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الإنسانية في السودان