بدأت ظاهرة مقلقة تفرض نفسها على عالم كرة القدم، حيث يجد أبرز نجوم اللعبة، وتحديدًا أولئك الذين يصلون إلى قمة المجد بالفوز بجائزة الكرة الذهبية أو المنافسة عليها، أنفسهم ضحايا لإصابات خطيرة ومتتالية.
ويبدو أن ما يُعرف بـ”لعنة الجائزة” ليس مجرد صدفة، بل نتيجة مباشرة للجداول الزمنية المزدحمة والإرهاق البدني الذي يدفع اللاعبين إلى ما هو أبعد من حدود قدرتهم على التحمل، وهو ما أكدته أحدث تقارير الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين “فيفبرو”.
تصاعدت وتيرة هذه الظاهرة في الأسابيع الأخيرة، حيث انضم نجوم كبار إلى قائمة المصابين، ويعد رودري، نجم مانشستر سيتي والمتوج بجائزة الكرة الذهبية لعام 2024، المثال الأبرز، حيث تعرض لإصابة بقطع في الرباط الصليبي الأمامي والغضروف المفصلي في سبتمبر الماضي، ستبعده عن الملاعب لنحو 235 يومًا، ولم تكن إصابته مفاجئة، إذ سبقتها تحذيرات منه حول ضغط المباريات، بعد أن خاض 135 مباراة في موسمين فقط.
كما لحق به فينيسيوس جونيور، نجم ريال مدريد وأحد أبرز المرشحين للجائزة، الذي سيغيب لثلاثة أسابيع بسبب إصابة في أوتار الركبة، موجهًا أصابع الاتهام مباشرة إلى “الجدول الزمني المجنون”، ولم يتبقى سوى جود بيلينغهام من أصحاب المراكز الأولى في ترتيب الكرة الذهبية هذا العام خارج قوائم المصابين.
وفي هذا السياق، دقت منظمة “فيفبرو” ناقوس الخطر، حيث ربط أمينها العام، أليكس فيليبس، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، بين هذه الإصابات والجائزة المرموقة.
وقال فيليبس: “في العام الماضي، تعرض الفائز بجائزة الكرة الذهبية لإصابة أبعدته لموسم كامل تقريبًا، والفائز هذا العام عثمان ديمبيلي يغيب حاليًا أيضًا بسبب الإصابة، فإلى متى يجب أن تستمر هذه الحوادث حتى يدرك ملاك الأندية أن هناك مشكلات تضر بأعمالهم أيضًا؟”.
ويعد سجل مشاركات اللاعبين دليلًا دامغًا على حجم الإرهاق، فتقرير “فيفبرو” لعام 2025 كشف أن رودري لم يحصل على فترة راحة كافية تبلغ 30 يومًا لثلاثة مواسم متتالية، حيث تراوحت فترات راحته بين 26 و28 يومًا فقط.
وأوضح الاتحاد أن هذا النقص في التعافي البدني، بعد مواسم مرهقة قاد فيها فريقه لثلاثية تاريخية ومنتخب بلاده للفوز ببطولة أمم أوروبا 2024، جعل إصابته الخطيرة نتيجة شبه حتمية، مما حرم عالم كرة القدم من الاستمتاع بحامل جائزة الكرة الذهبية لأشهر طويلة.
ولا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لعثمان ديمبيلي، الفائز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2025، الذي قدم أفضل موسم في مسيرته الكروية من حيث عدد المشاركات (61 مباراة) والدقائق (أكثر من 4000 دقيقة)، لكنه سرعان ما عاد إلى دوامة الإصابات التي طالما طاردته، فاللاعب الملقب بـ”ذي الأرجل الزجاجية” يعاني حاليًا من إصابة في أوتار الركبة، وهي الإصابة التي أبعدته مجتمعة عن الملاعب لنحو 509 أيام خلال مسيرته.
وتؤكد الدراسات العلمية التي استند إليها تقرير “فيفبرو” أن الحد الأقصى للمباريات التي يمكن للاعب خوضها في موسم واحد دون تعريض صحته لخطر جسيم هو 55 مباراة، لكن الواقع يُظهر أن غالبية اللاعبين في الأندية الكبرى، خاصة المشاركين في كأس العالم للأندية 2025، قد تجاوزوا 60 مباراة في الموسم.
وبذلك، فإن ما يسمى بـ”لعنة الكرة الذهبية” ليس إلا انعكاسًا لأزمة حقيقية في إدارة اللعبة، تهدد بإنهاء مسيرة أفضل مواهبها قبل الأوان، وتحول أبطالها إلى ضحايا على مذبح الجداول المزدحمة والأرباح التجارية.