يعيش عالمنا خلال الفترة الأخيرة موجات من التقلب المناخي ما أدى إلى تغييرات هائلة في الأنظمة البيئية والتي كانت في السابق ملائمة لكل أشكال الحياة، ودفعت ثمن هذا التغيير كائنات عديدة مثل النحل.
ويعود تاريخ النحل إلى أكثر من 33 مليون عام، ويُقدّر عدد أنواعه بأكثر من 20,000 نوع مختلف، وقد ساهم النحل بجميع أنواعه في الحفاظ على نظامنا البيئي منذ فجر الحضارة. ولكن هذا النظام البيئي المتناغم يواجه العديد من التحديات.
في عام 2013، نشرت مجلة “تايم” الأمريكية مقالًا بعنوان “عالم بلا نحل” حذرت فيه من الثمن الذي سيدفعه العالم إذا لم يكتشف ما الذي يقتل نحل العسل. ولكن السبب الأساسي في تراجع أعداد النحل كان “فقدان الموائل” نتيجة لتزايد حرائق الغابات وارتفاع منسوب مياه البحار ودرجات الحرارة. وخلال نحو 40 عامًا ماضية، شهدت العديد من الأنظمة البيئية تدهورًا كبيرًا، والتي أدت إلى فقدان الموائل وعدم تطابق توقيت تلقيح النباتات والملقحات، ما انعكس في النهاية على إنتاج العسل، هذا إلى جانب زيادة الحاجة إلى المناطق الحضرية الذي دفع المساحات الزراعية إلى التقلص وبالتالي مغادرة الكثير من الأنواع المحلية للنحل مواطنها الطبيعية.
وكشفت دراسة حديثة أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى تقلص موائل الملقحات ومناطق الهجرة للنحل، إذ إن النحل الذي نشأ في بيئة باردة لا يمكنه التأقلم في بيئة أكثر سخونة، وحال اضطر إلى الهجرة لهذه المناطق تكون قدرته على التلقيح أقل من قدرته في بيئته المألوفة. على جانب آخر، يُعتبر شًح المياه من الأسباب التي تقلل من قدرة النحل البقاء على قيد الحياة، لأنه يحتاج مثل البشر إلى المياه، وكلما زاد الجفاف في البيئات التي يعيش فيها أصبح مُهددًا. كما أن ندرة المياه وقلتها تهدد النباتات التي تحتاج إلى المياه لتزدهر وتنمو وتنتج الرحيق الذي يتغذى عليه النحل.
وعلى العكس تمامًا، فإن كثرة المياه تلحق الضرر أيضًا بحياة النحل، إذ إن ارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة شدة العواصف يؤدي إلى حدوث فيضانات عارمة والتي حال دخولها المنطقة المحيطة بخلية نحل ستغمر أعشاش النحل ومناطق بحثه عن الطعام. وكمثال على ذلك، تسبب إعصار إيان في عام 2022 في تدمير ما يصل إلى 400 ألف خلية نحل في فلوريدا، كما أدت رياحه الشديدة وفيضاناته الجارفة إلى إتلاف أزهار شجرة الفلفل البرازيلي، مما أدى إلى تعرية النباتات تقريبًا. ويُعد هذا النبات مصدرًا مهمًا لرحيق نحل فلوريدا، وبدونه، لم يكن بإمكانهم إنتاج محصول العسل الخريفي المعتاد.
تُعرف ملكة النحل بأنها عصب أي خلية والفرد الوحيد القادر على إنتاج سلالات جديدة، ولكن في ظل التغيرات المناخية أصبحت الملكة أيضًا في تهديد واضح، إذ يلعب ارتفاع درجات الحرارة دورًا واضحًا في تقليل خصوبة ملكات النحل وصحتها وعدد البيض الذي من المتوقع أن تضعه. ووجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة كولومبيا البريطانية، أن التعرض لمستويات أعلى من الحرارة يدفع الملكات لإنتاج بروتينات تقتل الحيوانات المنوية، ما يُقلل بشكل كبير من قدرتها على وضع البيض المخصب.
ويُؤدي هذا إلى تأثير الدومينو، حيث إذا لم تضع ملكة النحل بيضاً مخصبًا، يقل عدد العاملات في المستعمرة، وإذا قلّ عدد العاملات في المستعمرة، يقل عدد النحل الذي يجمع الموارد للملكة. مع قلة الموارد المتاحة للملكة، يقل عدد البيض الذي تستطيع وضعه، وهكذا. ومن غير الخفي أن ارتفاع درجات الحرارة على كوكبنا إلى مستويات قياسية يُعد من أبرز العوامل شيوعًا المرتبطة بتغير المناخ، وقد يؤدي الأمر في النهاية إلى القضاء على جميع أنواع النحل في الكوكب. وإجمالًا تأثرت تربية النحل بهذه التغييرات وهو ما انعكس في النهاية على إنتاج النحل.
في محاولة لإيجاد بدائل للنباتات المغذية للنحل والتي تراجع وجودها بسبب التقلبات المناخية، توصل عالما الحشرات فينسنت ريشيجليانو ومايكل سيمون-فينستروم إلى أن الطحالب الدقيقة يمكن أن تصبح مُكمّلًا غذائيًا للنحل. وخلص بحثهما إلى أن طحالب أرثروسبيرا بلاتينسيس، أو سبيرولينا، تُمثّل بديلًا غذائيًا بديلًا لحبوب اللقاح بالنسبة للنحل، إذ تمده بالأحماض الأمينية الاثني عشر الضرورية التي لا يستطيع إنتاجها بنفسه، كما أنها تُحسّن خصائص البروبيوتيك، التي ثبت أنها تُحسّن صحة أمعاء النحل.
ويأتي ذلك كحل مثالي في ظل الأبحاث التي أثبتت أن النحل على غرار باقي الكائنات الحية تتأثر أمعاؤه بارتفاع درجات الحرارة ما يقلل من نسبة ميكروبيوم الأمعاء أو البكتيريا النافعة التي تحسن من تشغيل الأمعاء وبالتالي إنتاج العسل. من ناحية أخرى، يُعد تشجيع المزراعين والمربيين على زراعة حدائق صغيرة للملقحات في منازلهم، فإلى جانب الشكل الجمالي والألوان التي ستجلبها إلى بيوتهم، ستمثل مصدرًا غذائيًا للعديد من الملقحات التي ستزورها. هذا بالإضافة إلى التنويه باستخدام كميات أقل من المبيدات الحشرية.