على مدار عقود، شهدت أساليب الاغتيالات تحولات عميقة متأثرة بتغير طبيعة الصراعات والتقدم التقني وتبدل أولويات الفاعلين السياسيين والأمنيين. فبعد أن ارتبطت الاغتيالات في مراحل سابقة بوسائل تقليدية ومواجهات مباشرة، باتت اليوم أكثر تعقيدًا ودقة، إذ تعتمد على التقنيات الرقمية، والقدرات عن بُعد، بما يقلل من المخاطر على المنفذين ويصعّب عملية التتبع والمساءلة.
ومع تسارع الابتكار التقني، من المتوقع أن يحظى مستقبل الاغتيالات بالمزيد من التطور الإضافي باستخدام أدوات أكثر خفاءً وتأثيرًا، مثل الأنظمة ذاتية التشغيل، والوسائل السيبرانية، واستخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في الرصد والاستهداف.
وفي السطور التالية نستعرض أبرز أدوات الاغتيال التي من المتوقع أن نشهدها في المستقبل القريب:
الدرونز أو "الروبوتات القاتلة"
هي مسيرات صغيرة أو طائرات "درون مصغرة" بحجم كف اليد أو أصغر، تم تطويرها لتكون بمثابة أسلحة تختار الأهداف دون تدخل بشري مزودة بكاميرات وأنظمة معالجة ذكية مدعومة بخوارزميات التعرف على الوجوه (Facial Recognition). وتعتمد هذه الخوارزميات على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الوجوه التي تلتقطها الكاميرا ومقارنتها ببيانات في قاعدة بيانات معينة للتعرف على هوية الأشخاص.
وتعمل تلك التقنية من خلال كاميرا عالية الدقة تمكّن الدرون من التقاط صور أو فيديو لحشد أو شخص معين أثناء الطيران في الجو. وفي المرحلة الثانية تاتي معالجة البيانات عبر إرسال البيانات إما إلى النظام الداخلي في الدرون أو لخادم خارجي لتحليلها. ويقوم الذكاء الاصطناعي باستخراج السمات المميزة من الوجه (مثل المسافات بين العيون، شكل الفم، كما أنها قد تعتمد على بيانات أخرى مثل الوزن والطول والعرق واللون لنحديد هوية فرد أو مجموعة من الأشخاص).
في المرحلة الثالثة تتم مطابقة الهوية، إذ تعمل الخوارزمية على مقارنة السمات المستخلصة مع قاعدة بيانات وجوه معروفة (مثل سجلات الأمن أو قائمة مطلوبين). وأخيرًا عند حدوث التطابق يتم اتخاذ قرار أو إجراء معين دون تدخل بشري اعتمادًا على البيانات المستخلصة.
وعلى الرغم من أن تلك الروبوتات ذاتية التشغيل قد تستخدم في مجالات سلمية مختلفة مثل: استخدامات الشرطة والأمن لتحديد الأشخاص المطلوبين أو مراقبة التجمعات العامة، أو عمليات البحث والإنقاذ في تحديد هويات مفقودين في مناطق واسعة أو خطرة، أو تحسين الخدمات في بعض المدن الكبرى مثل رصد الازدحام أو تحسين إدارة الأحداث الكبرى. إلا أن السيناريو السيء هو استخدامها في عمليات القتل والاغتيال.
ومن أبرز الأمثلة على هذا السيناريو القاتم، هو الفيلم القصير بعنوان Slaughterbots، والذي يصور السيناريوهات المتطرفة لهذه التقنية، إذ يتخيل استخدام درونز صغيرة لتحديد أهداف محددة في ساحات القتال بهدف تصفيتها.
وتثير تلك الاسلحة مخاوف أخلاقية وقانونية وأمنية، أتم عياب السيطرة البشرية يجعل من الصعب جدًا توجبه الاتهام أو محاسبة أي شخص، خصوًا وزأن الكثير من الدول تستثمر مبالغ ضخمة في تطوير مثل تلك التقنيات بحرًا وبرًا وجوًا. وفي الوقت نفسه ترآ أكثر من 90 دول حاجة ملحة لوضع قانون دولي يحمل الإنسانية من تلك التقنيات القاتلة، ويتطلب هذا الأمر بدء محادثات لوضع إطار قانون أو لوائح للأنظمة ذاتية التشغيل.
الأسلحة البيولوجية الدقيقة
تثشير تلك التقنية إلى استخدام عوامل بيولوجية معدّلة وراثيًا — مثل فيروسات أو كائنات مصممة — تستهدف خصائص جينية محددة في الأفراد أو الفئات السكانية. والمختلف في هذا السلاح البيولوجي هو أنه لا ينشط إلا عند مقابلته لشخص يحمل شفرة جينية معينة أو متغير جيني محدد (خاص بالضحية).
وتعمل تلك الأسلحة من خلال تقنية تحرير الجينات CRISPR، والتي تسمح بإجراء تعديلات على الحمض النووي للشخص أو تعديل الفيروس ليتعرف على سمات محددة في الجينوم البشري. وعند التعرض للسلاح، فإن العامل البيولوجي يهاجم الخلايا المستهدفة فقط ويفترض إصابتها أو تعطيلها بينما يترك باقي الخلايا (الأشخاص الآخرين المتواجدين في نفس المكان) دون تأثير.
وحتى الآن يظل هذا السلاح ضمن النطاقات المستقبلية، وربما يرجع ذلك للقيود التقنية والأخلاقية على عملها، بخلاف أن هذا النوع من الاستهداف الدقيق يواجه عقبات تقنية هائلة لأن الجينوم البشري معقد ومتغير للغاية، وفيروسات معدّلة بهذه الطريقة غالبًا ما تتحوّر بنفسها وقد تفقد الدقة. وحاليًا، لا توجد تقارير رسمية تفيد باستخدام تلك التقنية فعليًا، ولكنها تبرز المخاوف من مخاطر جمع بيانات الحمض النووي الخاص بالأفراد وما قد ينتج عن ذلك مستقبلًا.
الاغتيال السيبراني.. اختراق الأجساد
يُشير هذا المفهوم إلى مستوى جديد من الهجمات السيبرانية يتجاوز سرقة البيانات، ليؤثر بشكل مباشر على جسم الإنسان عبر استهداف الأجهزة الطبية المزروعة في الجسم البشري لتشن هجومًا على الوظائف الحيوية، والتي تشمل أجهزة تنظيم ضربات القلب (Pacemakers)، ومضخات الأنسولين، وأجهزة تحفيز الأعصاب المتصلة جميعها بالإنترنت.
وتعمل تلك الأجهزة من خلال اتصال شبكات لاسلكية أو أنظمة رقمية معروفة باسم (IoT) يمكن استغلالها، إذ قد تمكن القراصنة من تعطيل وظائفها أو تغييرها، ما يؤدي إلى تدهور صحي أو حتى خطر على الحياة. وفي مثال حي على ذلك، سحبت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في وقت سابق، مئات الآلاف من أجهزة تنظيم ضربات القلب لوجود ثغرات يمكن أن تُستغل ماليًا أو تسبب ضررًا طبيًا.
وأشارت ورقة بحثية مقدمة لجامعة أوكسفورد في عام 2016، إلى أن زيادة الأجهزة الدماغية المزروعة المستخدمة لعلاج مرضى باركنسون أو الاكتئاب يمكن أن تكون هدفًا للهاكرز. وقد تتسبب هجمات في تغيير الإحساس أو الحركة، أو حتى تعديل السلوك في حال تطور التهديد.
وقد تكون واقعة، نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، أبرز مثال على خطورة تلك الأجهزة، إذ تعود وقائع القصة إلى عامن 2007 عندما طلب تشيني تعطيل ميزة الاتصال اللاسلكي في الجهاز جهاز منظّم نبضات قلب كان زرعه من قبل بسبب مشكلات قلبية مزمنة. وكان الدافع وراء طلبه هو التخوف من أن يكون الجهاز بمثابة “نقطة دخول” يمكن للقراصنة أو الإرهابيين استخدامها لاستهدافه.
وتركّزت مخاوف الفريق الطبي لـ تشيني على استغلال قدرة الجهاز على الاتصال اللاسلكي بهدف إرسال بيانات أو تلقي أوامر من الخارج، في تنفيذ هجوم سيبراني لقتل تشيني عبر إحداث صدمة كهربائية قاتلة من بُعد، لذلك اتخذ تشيني قرار إزالة الجهاز.
وبشكل عام، قد تكون بعض تلك التقنيات غير مستخدمة بشكل واضح خلال وقتنا الحالي، إلا أن التطور التقني يُنذر بالمزيد من أساليب الاغتيال والقتل التي تتقاطع فيها التقنية مع السياسة والأمن والأخلاقيات. ومع التطور الكبير لأدوات المراقبة والذكاء الاصطناعي والهندسة الحيوية، اتسع نطاق التهديدات غير المرئية وازدادت صعوبة ضبطها أو محاسبة القائمين عليها. وفي حين أن جميع التقنيات قد يُنظر لها على أنها سلاح ذو حدين، إلا أن الاستخدامات السلبية لها وسط غياب أطر قانونية واضحة قد يجعلها وسيلة لإعادة مفهوم الاغتيال خلال السنوات المقبلة.
اقرأ أيضًا:
جدوى الاغتيالات.. هل القتل السياسي أداة ناجحة؟
وجه الاغتيال يتغير.. من الخناجر الصامتة للرقمنة القاتلة
تحليل دوافع أشهر منفذي الاغتيالات عبر التاريخ








