وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الهندية دلهي اليوم، في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، حيث كان في استقباله رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مطار العاصمة. تأتي الزيارة قبيل القمة السنوية بين البلدين، ومن المتوقع أن تشهد توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تهدف إلى توسيع التعاون بين موسكو ونيودلهي.
وتأتي زيارة بوتين في وقت يشهد فيه الوضع الدولي تحولات كبيرة، حيث تواصل الولايات المتحدة الضغط على الهند لتقليل مشترياتها النفطية من روسيا. كما تأتي هذه التحركات بينما تعقد واشنطن محادثات مكثفة مع موسكو وكييف بهدف الوصول إلى حلول لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وتعتبر العلاقات بين الهند وروسيا طويلة الأمد، وتشمل مجالات متعددة من التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي، ما يجعل لقاء الزعيمين محل اهتمام دولي كبير.
أهمية الهند في الاستراتيجية الروسية
يعتبر السوق الهندي من أكبر الأسواق العالمية بمليار ونصف المليار نسمة، مع معدل نمو اقتصادي يفوق 8%، وهو ما يجعله هدفًا رئيسيًا للصادرات الروسية، لا سيما النفط. وتحتل الهند المرتبة الثالثة عالميًا بين مستهلكي النفط، وقد ارتفعت وارداتها من الخام الروسي بشكل كبير بعد العقوبات الغربية على موسكو عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. حيث لم تتجاوز نسبة النفط الروسي في واردات الهند 2.5% قبل الحرب، فيما ارتفعت إلى نحو 35% بعد تقديم روسيا خصومات واسعة لجذب المشترين الهنود.
وتعكس هذه التطورات التحديات الكبيرة التي تواجه السياسة الخارجية الهندية، حيث أبدت الولايات المتحدة اعتراضها على شراء النفط الروسي، وفرضت رسومًا جمركية على بعض البضائع الهندية، معتبرة أن هذه المشتريات تدعم ميزانية الكرملين. من جانبها، تسعى روسيا لضمان استمرار تدفق النفط إلى السوق الهندية وعدم تأثره بالضغوط الخارجية.
القطاع الدفاعي والتعاون العسكري
يمثل التعاون العسكري أحد الأعمدة الأساسية في العلاقات الروسية الهندية منذ الحقبة السوفيتية. وتشير التقارير إلى أن الهند تخطط لشراء طائرات مقاتلة متطورة وأنظمة دفاع جوي حديثة من روسيا، بينما تعتبر الهند أيضًا مصدرًا مهمًا للعمالة الماهرة والخبرات الفنية بالنسبة لموسكو.
ورغم انخفاض اعتماد الهند على الأسلحة الروسية من مستويات مرتفعة سابقًا، لا تزال القوات الجوية الهندية تعتمد على طائرات مثل سوخوي-30، وأنظمة الدفاع الجوي S-400. وتسعى نيودلهي للحصول على أنظمة إس-500 المتقدمة وطائرات الجيل الخامس سو-57، خاصة بعد شراء باكستان لطائرة الشبح الصينية J-35، لتعزيز قدرتها الدفاعية في مواجهة التحديات الإقليمية.
البعد الجيوسياسي للزيارة
تمثل زيارة بوتين فرصة لموسكو لإرسال رسالة واضحة حول قدرتها على الحفاظ على تحالفاتها في آسيا، رغم العزلة المفروضة عليها من الغرب بسبب الحرب في أوكرانيا. يظهر ذلك من خلال الاجتماعات السابقة بين بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، ومن خلال تعزيز العلاقات مع الهند، بما يعكس دعم روسيا لمفهوم "عالم متعدد الأقطاب".
وبالنسبة لمودي، تمثل القمة اختبارًا لاستقلالية السياسة الخارجية الهندية، فهو يسعى للحفاظ على التوازن بين علاقاته التقليدية مع موسكو والالتزامات المتزايدة تجاه الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا. كما يحرص مودي على إظهار قدرته على إدارة مصالح الهند دون الانصياع للضغوط الخارجية، مع الاستمرار في تطوير العلاقات مع روسيا.
التعاون التجاري والاقتصادي
تتصدر القضايا الاقتصادية جدول أعمال القمة، حيث يسعى الطرفان إلى زيادة حجم التجارة الثنائية وتوسيع نطاقها ليشمل قطاعات جديدة بخلاف النفط والدفاع. وقد بلغت قيمة التجارة بين موسكو ونيودلهي نحو 68.72 مليار دولار بنهاية مارس 2025، مقارنة بـ 8.1 مليارات دولار في 2020، ويعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى زيادة واردات النفط الروسي من قبل الهند.
كما تسعى الهند إلى تعزيز صادراتها إلى روسيا، بما في ذلك السلع الاستهلاكية مثل الهواتف الذكية والروبيان واللحوم والملابس، بهدف تقليل العجز التجاري وتعزيز وجود المنتجات الهندية في السوق الروسية. ويهدف الطرفان إلى وضع أسس طويلة الأمد لتطوير التعاون الاقتصادي بعد انتهاء الحرب وإعادة دمج روسيا في النظام الاقتصادي العالمي.
تمثل زيارة بوتين لمودي اليوم خطوة استراتيجية مهمة لكلا البلدين. ومن المتوقع أن تؤمن النتائج الفورية استمرار تدفق النفط الروسي وتلبية الاحتياجات الدفاعية للهند، بينما النتائج طويلة المدى قد تسهم في إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الإقليمية وتعزيز مكانة موسكو ونيودلهي على الساحة الدولية، وتأكيد قدرة كل منهما على إدارة تحالفاته ومصالحه بعيدًا عن الضغوط الغربية.











