تظل منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا في قلب النزاع بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن أعلنت موسكو ضمها عام 2022 ضمن أربع مناطق في شرق البلاد، في استفتاءات رفضتها كييف والدول الغربية واعتبرتها خدعة سياسية.
وتعترف أغلب دول العالم بدونيتسك كجزء من أوكرانيا، فيما تسعى روسيا للسيطرة على كامل المنطقة، لكن حوالي 20% فقط، أي ما يزيد قليلًا على 5 آلاف كيلومتر مربع، لا تزال خارج سيطرتها، وفق ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لشبكة فوكس نيوز.
ويشكل هذا الجزء من دونيتسك العقبة الأساسية أمام أي اتفاق سلام محتمل، حيث جرت مفاوضات يوم الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ومبعوثين أمريكيين، دون أن تسفر حتى الآن عن أي انفراجة، فيما أشار مساعد الكرملين يوري أوشاكوف إلى أن الخلافات الإقليمية غير المحلولة تمثل التحدي الأكبر.
وتأتي هذه التطورات بعد أكثر من أربع سنوات من التدخل العسكري الروسي وإرسال عشرات الآلاف من القوات، وأكثر من عقد منذ التمرد الانفصالي المدعوم من موسكو في المنطقة، ما يوضح صعوبة التوصل إلى حل شامل للأزمة الأوكرانية.
مبررات بوتن للحرب
عند إرسال قوات إلى أوكرانيا في عام 2022، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن هدفه هو "حماية الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية خلال السنوات الثماني الماضية". لكن أوكرانيا وحلفاؤها وصفوا هذا التصريح بأنه ذريعة كاذبة لغزو استعماري.
ويشير تأكيد بوتن إلى مقاومة أوكرانيا للانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، الذين انفصلوا عن سلطة الحكومة الأوكرانية في عام 2014 واستولوا على أجزاء من الأراضي، ما شكل بداية الصراع المستمر حتى اليوم.
في الصراع المستمر بشرق أوكرانيا، تبادل الطرفان الاتهامات بقصف المدن واستهداف المدنيين. وأكدت موسكو أن تدخلها في عام 2022 كان واجبًا أخلاقيًا، مشيرة إلى الكثافة السكانية الناطقة بالروسية في المنطقة.
في المقابل، قالت كييف إنها لم يكن لديها خيار سوى الرد بالقوة منذ عام 2014 لحماية وحدة أراضي أوكرانيا، متهمة بدورها القوات الانفصالية بقصف المدن واستهداف المدنيين.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 3106 مدنيين لقوا حتفهم على كلا الجانبين خلال القتال بين قوات الحكومة الأوكرانية والانفصاليين في الفترة بين 2014 وبداية 2022، فيما أصيب ما يصل إلى 9000 مدني بجروح.
الأهمية العسكرية لدونيتسك
تشمل بقية دونيتسك التي تطمح روسيا للسيطرة عليها مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك، المعروفتين بـ"المدينتين الحصنيتين"، حيث يستخدمهما الجيش الأوكراني كمراكز دفاعية منذ 2014.
تكتسب المناطق أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يسهل الأراضي المفتوحة غرب دونيتسك تقدم روسيا نحو بقية أوكرانيا، فيما يشكل خط الدفاع حول المدن، بما في ذلك الخنادق وحقول الألغام، تحديًا كبيرًا لأي هجوم.
وحذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن تسليم دونيتسك دون استفتاء سيكون غير قانوني ويمنح روسيا منصة للهجوم مستقبلاً، وتخشى كييف إعادة تسليح روسيا واستخدام دونيتسك كمنطلق للتقدم غربًا إذا سقطت المنطقة في يد موسكو.
تكبد الجانبان خسائر فادحة وأنفقا مبالغ كبيرة في القتال للسيطرة على دونيتسك، بما في ذلك مدينة باخموت، حيث استخدمت روسيا عشرات الآلاف من المدانين كمقاتلين، فيما أصبح القتال يُعرف بـ"مفرمة اللحم".
وتكتسب دونيتسك أهمية كبيرة في كلا البلدين، ما يصعّب أي تنازل، حيث تؤكد أوكرانيا أنها لن تمنح روسيا أراضٍ لم تفز بها في المعركة، بينما يعتقد معهد دراسة الحرب الأمريكي أن روسيا قد تسيطر على المنطقة بحلول أغسطس 2027 إذا استمر تقدمها الحالي، في حين يعبر القادة الروس عن تفاؤلهم بإمكانية السيطرة الكاملة على دونباس.
الأهمية الاقتصادية لدونيتسك
تعد دونيتسك مركزًا للصناعات الثقيلة والموانئ والسكك الحديدية، وكانت تنتج سابقًا أكثر من نصف إنتاج أوكرانيا من الفحم، الصلب، فحم الكوك والحديد الزهر، قبل أن تتعرض العديد من المناجم والمرافق للدمار خلال الحرب.
كما تضم المنطقة معادن نادرة مثل التيتانيوم والزركونيوم، ما يجعلها مصدر دخل مهم لمن يسيطر عليها. ويتوقع المراقبون أن مصير دونيتسك سيشكل أحد العوامل الرئيسية في الإرث التاريخي للرئيسين بوتن وزيلينسكي.
"التخلي عن دونيتسك خيانة"
وتعهد زيلينسكي منذ توليه السلطة بإنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، واكتسب منذ 2022 سمعة المدافع عن بلاده في مواجهة روسيا الأكبر حجمًا وعدائية. ويعتبر التخلي عن دونيتسك دون قتال خيانة محتملة للأوكرانيين، الذين يعيش في المنطقة نحو ربع مليون شخص وفقد العديد منهم أقاربهم في الحرب.
ووفق استطلاع حديث لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، لا تزال غالبية ضئيلة من الأوكرانيين تعارض أي تنازلات إقليمية.
رفض المسؤولون الأوكرانيون، بمن فيهم زيلينسكي، احتمال تسليم الأراضي التي تسيطر عليها كييف ضمن أي اتفاق سلام. وأكد زيلينسكي أنه لا يملك تفويضًا للتنازل عن أراضي الدولة، مشيرًا إلى أن أي تغيير إقليمي لا يمكن أن يتم كأنه ملكية خاصة.
وينص الدستور الأوكراني على أن التغييرات الإقليمية يجب أن تتم عبر استفتاء شعبي، يمكن الدعوة إليه إذا حصل على توقيعات ثلاثة ملايين ناخب مؤهل في ثلثي مناطق أوكرانيا على الأقل.
اقرأ أيضًا:
الحرب تُفرّغ أوكرانيا من سكانها.. انخفاض المواليد وارتفاع الوفيات












