مجلس التعاون الخليجي.. تكتّل صمد أمام التاريخ

ديسمبر ١, ٢٠٢٥

شارك المقال

مجلس التعاون الخليجي.. تكتّل صمد أمام التاريخ

تشكّل مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981، ليبدأ مسيرة تحول ملحمية من مجرد تكتل أمني إقليمي وُلد في ظروف مضطربة، إلى قوة اقتصادية وسياسية عالمية مؤثرة.

وتعد هذه المنظمة، التي تضم المملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين، وعمان، المنظمة العربية الإقليمية الوحيدة التي حافظت على انتظام قممها السنوية وصمدت أمام أعقد الأزمات الداخلية والخارجية.

واستعدادًا للقمة الخليجية السادسة والأربعين (46) المقررة في مملكة البحرين برئاسة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في ديسمبر 2025، يفرض التطور المستمر للمجلس نظرة تحليلية على مراحله المفصلية ونقاط تحوله الحاسمة.

تُختصر قصة التطور في انتقال المنظمة من التركيز على حماية المنطقة من الانزلاق للحرب في الثمانينيات إلى قيادة أجندة التكامل الاقتصادي والتحول الرقمي في العقد الثالث من الألفية الجديدة.

التأسيس والسياق التاريخي لمجلس التعاون الخليجي

تأسس مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي عام 1981 في ظل سياق إقليمي بالغ الصعوبة والاضطراب.

كانت المنطقة حينئذ تغلي بفعل بدء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980، والآثار المترتبة على الثورة الإيرانية في عام 1979.

وبناءً على ذلك، لم يكن الهدف الأساسي من التأسيس اقتصاديًا أو تنمويًا بالدرجة الأولى، بل كان الهدف الأمني هو المحرك الرئيس آنذاك.

وتمثل ذلك الهدف في حماية دول الخليج الست وتشكيل درع واقٍ ضد التهديدات الخارجية التي كانت تركز على تصدير الثورات والتأثير على استقرار المنطقة.

وكانت هذه الدول الست تشترك في أنظمة حكم متشابهة وتركيبة سكانية متقاربة، مما سهل عملية التنسيق الأمني والعسكري في مواجهة المخاطر المشتركة.

مراحل التطور الكبرى لمجلس التعاون الخليجي

تنقسم مسيرة مجلس التعاون الخليجي على مدار نحو 45 عامًا إلى أربع مراحل مفصلية تظهر عمق تحوله:

مرحلة التأسيس والبناء الأمني (1981 - 1990)

ركزت هذه المرحلة على التنسيق العسكري والأمني، حيث كان الهاجس الأمني هو الأبرز، إذ تأسست "قوة درع الجزيرة" في عام 1982 كأول ذراع عسكري مشترك، بهدف توفير قوة ردع قادرة على التدخل السريع.

كما انخرطت دول المجلس في التعامل مع تداعيات الحرب العراقية الإيرانية المشتعلة وحماية ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، مما أكد على الدور الحيوي للمجلس في تأمين الملاحة الدولية.

شهدت هذه الفترة اتفاقيات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الأمنية التي شكلت نواة التعاون الاستخباراتي الوثيق الحالي.

مرحلة التعافي والتوجه الاقتصادي  (1991 - 2010)

أدرك القادة الخليجيون بعد تحرير الكويت في عام 1991، وتأكيد حقيقة أن الأمن الخليجي كل لا يتجزأ، ضرورة الانتقال من التعاون الأمني البحت إلى التكامل الاقتصادي العميق لضمان الاستقرار الشامل.

جاء إعلان الاتحاد الجمركي في عام 2003 كخطوة نوعية حولت دول المنطقة إلى كتلة تجارية واحدة أمام العالم الخارجي، مما ألغى الرسوم الجمركية على السلع المتبادلة بين الدول الأعضاء.

تلى ذلك إعلان السوق الخليجية المشتركة في عام 2008، والتي أسست لمفهوم "المواطنة الاقتصادية" عبر منح المواطن الخليجي حق التملك العقاري، وممارسة المهن، وتداول الأسهم، والاستفادة من خدمات التعليم والصحة في أي من الدول الأعضاء، مما عزز الترابط الاجتماعي والاقتصادي بين الشعوب.

مرحلة التحديات الداخلية واختبار الصلابة (2011 - 2021)

واجهت دول المجلس في هذه الفترة تداعيات ما عُرف بـ "الربيع العربي" وتأثيره على الاستقرار الإقليمي، برزت خلالها الخلافات السياسية الداخلية التي وصلت ذروتها في الأزمة الخليجية التي بدأت في عام 2017.

أثبت مجلس التعاون الخليجي مرونة عالية بعدم انهيار أجهزته الأساسية رغم عمق الخلافات، واستمرت القمم السنوية في الانعقاد، ولو بشكل جزئي في بعض الأحيان.

عملت الآليات المشتركة، كالاتحاد الجمركي والربط الكهربائي، كشبكة أمان منعت الانهيار التام ومهدت لاحقًا للمصالحة.

مرحلة "العلا" والرؤى المستقبلية (2021 - القمة 46)

بدأت هذه المرحلة بقمة العلا في يناير 2021، التي شكلت نقطة تحول حاسمة أنهت الخلافات وأعادت توحيد الصف الخليجي بالكامل.

ويتركز الاهتمام الحالي حتى القمة 46 على تحقيق "التنوع الاقتصادي" (ما بعد النفط)، والتحول نحو نموذج تنموي مستدام، والتركيز على مشاريع الربط السككي الحيوي، والحياد الصفري الكربوني، والتكامل التقني في مجالات الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية.

تأتي هذه الرؤى متناغمة مع الأجندات الوطنية للدول الأعضاء، مثل رؤية السعودية 2030 ورؤية عُمان 2040.

نقاط تحول كبرى غيرت مسار مجلس التعاون الخليجي

شهد تاريخ مجلس التعاون الخليجي محطات غيرت مساره بشكل جذري وعميق، حيث أثبت غزو الكويت في عام 1990 أن مفهوم الأمن الخليجي "كلٌ لا يتجزأ"، ودفع الدول نحو توقيع اتفاقيات دفاعية أقوى والتعاون مع القوى الدولية بشكل أكثر تنظيمًا، وأسهم في تطوير قوة درع الجزيرة بشكل أكبر.

كما مثل الاتحاد الجمركي في عام 2003 نقلة نوعية حولت المنطقة إلى كتلة تجارية واحدة أمام العالم، ما سهل حركة السلع ورسخ مبدأ الاقتصاد الموحد.

ووقعت قمة "العلا" في يناير 2021 نقطة تحول كبرى، حيث أعادت توحيد الصف الخليجي وأسست لمرحلة جديدة قائمة على المصالح المشتركة والواقعية السياسية بدلاً من الحساسيات القديمة، وركزت على التعاون الاقتصادي الشامل.

وبعد ذلك، رسخت المصالحات الإقليمية الكبرى، مثل عودة العلاقات السعودية-الإيرانية في عام 2023 والتقارب الخليجي مع قوى الشرق والغرب، مكانة المجلس كلاعب "توازن" عالمي وليس مجرد تابع لأي طرف، مما منح المنطقة ثقلاً دبلوماسيًا غير مسبوق.

أبرز إنجازات مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه

قدم مجلس التعاون الخليجي إنجازات ملموسة مقارنة بأي تكتل عربي آخر، ويعد الإنجاز الاقتصادي هو الأقوى تأثيرًا، حيث يتمتع المواطنون بحرية التنقل بالهوية الوطنية فقط بين الدول الست.

كما أسفر مشروع الربط الكهربائي الاستراتيجي عن توفير مليارات الدولارات ومنع انقطاعات الكهرباء عبر تبادل الطاقة في أوقات الذروة.

ويؤكد الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس مجتمعة، الذي يضعها ضمن أكبر 10-12 اقتصادًا في العالم، على قوتها الاقتصادية الموحدة.

أما على الصعيد الأمني، فقد تم تطوير "درع الجزيرة" إلى قيادة عسكرية موحدة مقرها الرياض، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي الوثيق والنشط خلف الكواليس في مكافحة الإرهاب والمخدرات والجرائم العابرة للحدود، وهو ما يمثل ركيزة أساسية للأمن المشترك.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech