تتواصل الضغوط الإقليمية والدولية على حركة حماس للرد على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، وسط مؤشرات على أن الحركة لن تعلن رفضًا قاطعًا، بل ستطالب بإدخال تعديلات جوهرية قبل القبول بها، في وقت حذر فيه ترامب من أن رفض الخطة سيؤدي إلى “الدفع في الجحيم”، فيما أعلنت إسرائيل موافقتها الكاملة عليها.
الخطة الأميركية، التي كشف البيت الأبيض عن تفاصيلها هذا الأسبوع، تتألف من عشرين بندًا تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ نحو عامين في قطاع غزة. وتنص على وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس خلال 72 ساعة، مقابل إفراج إسرائيل عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، يقضي العديد منهم أحكامًا بالسجن المؤبد. كما تنص على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية إلى منطقة عازلة على طول الحدود، وزيادة المساعدات الإنسانية لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وتتضمن الخطة أيضًا بندًا يلزم حماس بنزع سلاحها بالكامل، إضافة إلى تشكيل إدارة انتقالية يقودها طرف دولي لإدارة غزة المدمرة، وهو ما تعتبره الحركة شرطًا بالغ الصعوبة، خاصة في غياب أي أفق سياسي أو تقدم ملموس نحو حل الدولتين. ورغم أن النص الأميركي يتعهد بعدم ضم غزة أو احتلالها من جانب إسرائيل، إلا أن غموض البنود المتعلقة بالانسحابات العسكرية والإدارة الدولية يثير قلقًا واسعًا داخل الحركة.
ومنح الرئيس الأميركي حماس مهلة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أيام للرد على الخطة، مؤكدًا أنه لن يقبل بأي تأخير أو مماطلة، وأن إسرائيل ستكون حرة في استكمال حربها حتى النهاية إذا جاء الرد بالرفض. أما رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، فأعلن موافقته الكاملة على المقترح، وهدد بأن إسرائيل “ستُنهي المهمة” إذا رفضت حماس أو حاولت إبطاء التنفيذ، معتبرًا أن الخطة تلبي معظم المطالب الإسرائيلية.
بحسب ما أوردته صحيفة الغارديان، أبدى محللون ومراقبون شكوكًا كبيرة بشأن قدرة حماس على قبول هذه البنود دون تحفظ. وقال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية من غزة والمقيم في القاهرة، إن الحركة مضطرة إلى “الاختيار بين السيئ والأسوأ”، موضحًا أن رفض الخطة سيمنح إسرائيل وواشنطن ذريعة لاستمرار العمليات العسكرية بلا قيود، في حين أن القبول الكامل سيعد تنازلًا عن أهم أوراق القوة لديها. أما هيو لوفات، الباحث البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فأكد أن النص الأميركي يفتقر إلى التفاصيل الواضحة، وأن أي تحفظ أو تعديل ستطالب به حماس سيُستخدم ضدها من جانب إسرائيل والإدارة الأميركية، وربما الأوروبيين أيضًا.
وبينما يروج البعض لانقسامات داخل حماس بين قيادات الخارج في الدوحة وإسطنبول من جهة، والقيادة العسكرية داخل غزة من جهة أخرى، يرى محللون آخرون أن الحركة ما تزال متفقة على خطوطها العريضة، خصوصًا في رفض مطلب نزع السلاح. ويقول مايكل ميلشتاين، الخبير في شؤون الحركة بجامعة تل أبيب، إنه “لا يوجد انقسام جوهري، فجميع الأجنحة متفقة على أن الكفاح المسلح جزء من طبيعتها وهويتها”. ومع ذلك، يُظهر الميدان تباينًا في المواقف، إذ تميل قيادات الخارج إلى نهج أكثر براغماتية، بينما يصر الجناح العسكري والمقاتلون الشباب على مواصلة القتال، معتبرين أن إسرائيل تواجه مأزقًا استراتيجيًا بفعل الضغوط الدولية وتحدياتها الداخلية.
وعلى الأرض، تكبدت حماس خسائر فادحة منذ اندلاع الحرب عقب هجومها على جنوب الأراضي المحتلة، وردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق تسببت في مقتل أكثر من 66 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون، فيما نزح غالبية سكان القطاع مرات متكررة نتيجة القصف، وتحولت مساحات شاسعة من غزة إلى أنقاض.
وبحسب تقارير ميدانية، فقد فقدت حماس معظم قادتها العسكريين البارزين، إذ قُتل ما لا يقل عن 40 قياديًا وعنصرًا رئيسيًا في جناحها العسكري منذ مارس الماضي. وتؤكد مصادر إسرائيلية أن 90% من قادة الحركة قُتلوا، وأن 97% من ترسانتها الصاروخية إما دُمّر أو أُطلق، بينما لم يُقضَ إلا على 40% من شبكة الأنفاق الواسعة. ومع ذلك، تؤكد تقارير أن الحركة تمكنت من تجنيد آلاف المقاتلين الجدد الذين، رغم ضعف تسليحهم وقلة خبرتهم، لا يزالون قادرين على إلحاق الخسائر بالقوات الإسرائيلية، مما يثبت قدرة الحركة على التكيف والاستمرار.
في السياق ذاته، تبذل مصر جهودًا مكثفة مع قطر وتركيا لدفع حماس إلى قبول خطة ترامب. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في كلمة ألقاها بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس، إن القاهرة تعمل مع شركائها الإقليميين لإقناع حماس بالرد الإيجابي على الخطة، محذرًا من أن الرفض سيؤدي إلى “وضع بالغ الصعوبة” ومزيد من التصعيد العسكري. وأكد أن بلاده تدعم الرؤية الأميركية لإنهاء الحرب، لكنها ترى أن هناك ثغرات أساسية يجب معالجتها تتعلق بالترتيبات الأمنية ومستقبل الحكم في غزة. وأضاف أن مصر ترفض رفضًا قاطعًا أي خطط لتهجير الفلسطينيين من القطاع، واصفًا ذلك بأنه “تصفية للقضية الفلسطينية”.
وشدد عبد العاطي على أن حماس يجب أن “تلقي سلاحها” وألا تمنح إسرائيل أي ذريعة لمواصلة ما وصفه بـ“المذابح اليومية بحق المدنيين”، معتبرًا أن ما يجري يتجاوز حدود الانتقام ويمثل “تطهيرًا عرقيًا وإبادة جماعية متواصلة”. كما أكد أن “حماس لن يكون لها أي دور في مستقبل غزة”، مشيرًا إلى وجود اتفاق عربي وإسلامي على ذلك، حتى من داخل بعض أوساط الحركة نفسها.
وبينما يترقب المجتمع الدولي رد حماس خلال الأيام القليلة المقبلة، يرى مراقبون أن الحركة ستسعى إلى تجنب إعلان رفض صريح، مفضلة الدخول في مفاوضات لتعديل بعض البنود، خصوصًا ما يتعلق بنزع السلاح والانسحابات الإسرائيلية، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من نفوذها ومصداقيتها أمام جمهورها، وسط تهديدات إسرائيلية وأميركية متواصلة بإنهاء الحرب بالقوة إذا لم يتم القبول بالخطة.